عندما أقدمت الجامعات على تعديل قانونها القديم الذي كان يقصر الأستاذية في كل تخصص على أستاذ واحد، وفتحت الطريق أمام الجميع للترقي إلى تلك «الوظيفة»، لم تنس أن تضع بعض الضوابط التي تجعل شاغل وظيفة الأستاذية أهلا لها، فوضعت بعض المعايير التي تستند إلى طبيعة تلك الوظيفة نفسها، وأهمها إجراء البحوث العلمية، فالأستاذ الجامعي في المقام الأول باحث، وعمله هو التفكير الدائب، سواء كان ذلك في المعامل والمختبرات أم بين الكتب والأوراق على مكتبه، ولم تنس الجامعة أيضا أن تستعين بمعيار الأقدمية؛ فالأقدمية في مجتمعنا ذات احترام يصل إلى درجة القداسة والمثل يقول «أكبر منك بيوم يعرف عنك بسنة.»
ومن ثم وضعت الجامعة نظاما لاختبار أهلية المتقدم للترقي يتضمن عرض الأبحاث على لجنة يختار أعضاؤها من الأساتذة البارزين في التخصص العلمي المناسب، وأطلق عليها اللجنة الدائمة
Standing Committee
تمييزا لها عن اللجان المخصصة
AD HOC
أي التي تتشكل لأداء مهمة محددة ثم تنفض، وتتولى هذه اللجنة فحص الإنتاج العلمي المقدم من «طالب» الترقية، سواء كان مدرسا
LECTURER
أم أستاذا مساعدا، ثم تكتب تقريرا ترفعه إلى القسم العلمي الذي ينتمي إليه الطالب، فإذا رأى القسم (الذي يجتمع على مستوى الأساتذة) أن التقرير عادل ومنصف؛ أوصى بقبوله ورفعه إلى مجلس الكلية (الذي يتكون من الأساتذة أيضا)، فإذا وافق عليه رفعه إلى مجلس الجامعة (الذي يتكون من العمداء)، فأصدر المجلس الأخير قرار الترقية.
وعلى مدى الأعوام العشرين الماضية تقريبا حقق هذا النظام نجاحا لا بأس به؛ فهو كأي نظام قضائي يسمح باختلاف وجهات النظر وبالمداولات والتظلم والاستئناف ونقض الأحكام، وقد شهدت أول حالة تظلم فيها المتقدمان للترقي لوظيفتي أستاذ مساعد وأستاذ في أحد أقسام كلية الآداب في أواسط السبعينيات؛ إذ تظلما من قرار اللجنة، فاتخذ مجلس الكلية قرارا بتشكيل لجنة أخرى أنصفتهما، وأخذ العدل مجراه، فالنظام الذي يأخذ في اعتباره أن البشر بشر قد يخطئون مثلما يصيبون لا بد أن ينجح في النهاية مهما كانت العثرات.
ولكن تشكيل اللجان المذكورة على أساس الأقدمية فقط - والأقدمية توحي بالعدل - خلق هوة بين شباب العلماء وبين قدمائهم، فلم يعد التميز أساسا للانضمام إلى اللجنة (على أساس النشاط العلمي للأستاذ منذ حصوله على الأستاذية مثلا)، بل عدد السنوات التي يقضيها على ظهر الأرض، ولو دون اقتراب من العلم. وأخذت الهوة تزداد اتساعا مع نشأة الجامعات الإقليمية حيث تقل الأقدمية المطلوبة للترقي عن الأقدمية المطلوبة للترقي في الجامعات الكبرى، وازدادت حالات التظلم من أحكام اللجان، والاحتكام إلى مجالس الأقسام ومجالس الكليات ومجالس الجامعات.
Halaman tidak diketahui