Adab dan Kehidupan

Muhammad Cinani d. 1443 AH
85

Adab dan Kehidupan

الأدب والحياة

Genre-genre

إن صورة المسرح في بلد ما ترتبط بصورة عقل شعبه ووجدانه. فهل أصبحنا شعبا هازلا؛ أي لاهيا عابثا؟ وهل نملك في هذا العصر وهذه الحقبة العصيبة من تاريخ العالم أن نلهو ونعبث - كما يقول صلاح عبد الصبور في «تذييله» لمسرحية «مسافر ليل»؟ لقد أثارت شهادة المسز ويب أشجاني، تلك السيدة التي عاشت تصارع المرض وكانت ذات رؤية مأسوية (مثل توماس هاردي) ولكنها أقرت للمصريين بسعة الصدر وحب الحياة والإشراق. فلنضحك ما شاء الله لنا أن نضحك. ولكن حاشا لله أن نكون من الهازلين.

ثمن الكتاب

قال صديقي في رنة انزعاج بادية: «أرأيت إلى أسعار الكتب كيف التهبت واشتعلت؟ لقد اشتريت كتاب كذا وكذا بمبلغ كذا وكذا.» وقدمت إليه في البداية الرد الذي اعتدته في هذه الأحوال والذي يفسر غلاء الكتب في إطار غلاء كل شيء؛ لا في مصر وحدها، بل في العالم كله. وانثنيت أحصي الأسباب التي أصبحت أعرفها جيدا والتي تتصل بارتفاع أسعار الورق وأحبار الطباعة، وما إلى ذلك من مستلزمات الإنتاج، والارتفاع الموازي (وإن كان لا يصل إلى نفس الدرجة) في أجور العاملين بالطباعة والنشر، وما يتصل بذلك من تكاليف الإعلان عن الكتاب وتسويقه - ثم توقفت وشرعت أنظر للأمر من زاوية أخرى تماما، وهي زاوية القارئ والمشتري.

من الذي يشتري الكتب؟ نستطيع أن نفترض أن القراء هم الذين يشترون الكتب، وهذا افتراض معقول؛ لأن النسبة الضئيلة من المشترين الذين لا يبتاعون الكتب من أجل قراءتها، بل من أجل جمعها أو التباهي بامتلاكها تعتبر استثناء يمكن إغفاله، فالشخص الذي يدخل مكتبة ما ويخرج نقودا من جيبه لشراء كتاب ما، عادة ما يفعل ذلك بقصد قراءته، سواء قرأه بعد ذلك أم لا. وهذا القارئ الشاري هو محور اهتمامنا اليوم. فعندما بدأت النهضة الحديثة في الطباعة والنشر بعد الحرب العالمية الثانية، كان القارئ من «المتعلمين» أو من «أبناء المدراس» كما كانوا يسمون، وكان يمثل رأس الحربة لجيل جديد من «المثقفين» الذين أشار إليهم ريتشارد كروسمان في كتابه بعثة فلسطين (1946م) باعتبارهم طليعة ثورة وشيكة في مصر؛ إذ كان يرى فيهم قوة ما تفتأ تتزايد، وتنذر بتغير اجتماعي قريب.

كان معظم هؤلاء من أبناء «القادرين»، ولم يكن طه حسين قد أعلن ثورته التعليمية بعد في عام 1950م بقولته الشهيرة إن التعليم كالماء والهواء، وما تلا ذلك من إلغاء المصاريف الدراسية التي حجبت الكثيرين عن التعليم العام، وأهدرت طاقات الكثيرين من أبناء هذا الوطن النجباء. وكان المتعلمون يعملون في الحكومة - في «الدواوين» التي بدأت تتكاثر وتنتشر - ويتقاضون رواتب قاربت بينهم تدريجيا وبين أبناء الطبقة المتوسطة «البرجوازية» من التجار وأرباب الصناعة بصفة أساسية. ولم تمض أعوام على قيام الثورة حتى أصبح هذا الوضع راسخا؛ إذ أرست الثورة مبدأ المجانية بصورة لا رجعة فيها، وأمنت العمل في «الدواوين» لخريجي الجامعات (التي كثرت) والذين كان عددهم طبقا لإحصاء عام 1961م يزيد على 110000 في شتى التخصصات.

كانت هذه القوة القارئة في الستينيات هي نفسها القوة الشرائية للكتب، ولم يكن من العسير تسويق سلسلة مثل الألف كتاب الأولى، أو روايات الكتاب النابهين آنذاك، وأذكر أننا عندما أخرجنا مجلة المسرح الأولى في مطلح عام 1964م (وكان رئيس التحرير هو الدكتور رشاد رشدي رحمه الله) أخذنا نزيد عدد المطبوع من الأعداد الأولى التي كانت تختفي فور صدورها حتى وصل إلى عشرة آلاف، كما زاد ثمن النسخة بعد ذلك من خمسة قروش إلى عشرة قروش. وقس على ذلك المجلات الأخرى والكتب الأخرى التي لم تكن أسعارها تزيد على قروش معدودة، تمثل نسبة ضئيلة من دخل (المثقف) الموظف، أيا كان تخصصه.

وعندما حدث التحول التاريخي في السبعينيات إلى الاقتصاد الحر أو ما يشبه ذلك من بعيد، وقع خلل في «تركيب» هيكل القراء، إذ انتعشت طبقة برجوازية جديدة تتسم بكل سمات البرجوازية التاريخية، من عزوف عن العلم والثقافة بصفة عامة، ونشدان المتعة وأطايب العيش، وإنفاق المال بسخاء على السلع الاستهلاكية، وساعد على ذلك - دون شك - تدفق الثروات العربية في أيدي العائدين الذين أتوا معهم بطرائق أخرى للعيش غير الثقافة والتعليم، وهذه من سخريات القدر؛ إذ إنهم ما كانوا ليحققوا ما حققوه دون علم وتعليم.

واستمر هذا الاتجاه دون توقف حتى التسعينيات، بل إنه ازداد رسوخا وتمكنا من مجتمعنا؛ إذ إنه لم يقتصر على الظواهر الاقتصادية التي ذكرتها في بداية المقال، ولا هو مقصور على ثبات الدخول الضئيلة للمثقفين الموظفين (مما يعني هبوطها النسبي، أي بالنسبة إلى مستويات دخول الكاسبين الآخرين) بل إنه أحدث أكبر خلل يمكن أن يحدث لثقافة دولة قامت على العلم والتعلم؛ ألا وهو الكفر بقيمة العلم لذاته، وحلول قيمة أخرى محلها هي قيمة كسب المال - وهذه هي الطعنة الحقيقية التي أصابت عملنا الثقافي في مجال الطبع والنشر.

لم يعد القارئ اليوم، وأنا أقصد القادر على شراء الكتب، يقبل على الكتاب من أجل ما به من «علم»، ولكنه يدرج الكتاب بين طائفة المتع التي يوفرها له المال - فهو ينشد الإثارة فيقبل على كتب المذكرات السياسية وكتب «المؤرخين» الذين يسبون عهدا بعينه أو يكيلون له المدائح، وهو ينشد الاطمئنان واليقين فيقرأ الكتب الدينية، وهو ينشد العجائب والغرائب فيقرأ عن الجن والسحر وعالم الأرواح (الذي هو غيب لا يجوز الخوض فيه)، وهو ينشد التسلية والتسرية فيقرأ القصص الساذجة سواء كانت مؤلفة أو مترجمة.

أما طالب العلم، الذي ينتمي إلى دائرة ضاقت فأمعنت في الضيق؛ فهو يواجه كتبا أجنبية ذات أسعار تمثل التضخم الذي اجتاح البلدان المتقدمة، أو كتبا عربية يمثل سعر الواحد منها عشرة بالمائة من مرتبه بعد أن كان يمثل واحدا بالمائة أو أقل! وأذكر أنني شاهدت في معرض الكتاب منذ عامين كتابا أجنبيا لا يزيد عدد صفحاته على مائة، ويزيد سعره على مائة جنيه، فتصفحته فلم أجد له من القيمة ما يبرر هذا السعر «الإجرامي»، وكدت أن أقرأه كله واقفا لولا خشية الاتهام بالسرقة! والقول بأن تتحمل هيئة الكتاب وحدها عبء توفير الكتب الزهيدة الثمن قول ساذج؛ فالهيئة مؤسسة واحدة من بين شتى المؤسسات العامة والخاصة التي تقوم بطبع ونشر الكتب، وهي تنهض بأعباء لا تستطيعها غيرها، والتكاليف واحدة لدى هذه وتلك، وليست في يدها عصا سحرية تستطيع بها تخفيض أسعار مستلزمات الإنتاج التي ارتفعت أسعارها عالميا (بل هي غير معفاة من الرسوم الجمركية).

Halaman tidak diketahui