ويمشي الواحد منهم في الشارع، كاشفا وجهه دون حجاب، دون حياء، دون وخزة ضمير، بكل الكبرياء يرفع الواحد منهم وجهه المكشوف نحو السماء، وإن اندفع المولود من الثقب أصبح هو المحكوم عليه مع الأم.
وكان عقل أختي الناقص يمتلئ بالخزعبلات، بينما أنشغل أنا بالعمل النافع، فأقطع الخازوق بسكين المطبخ مثل قطعة من اللحم، أسلقها في الحلة فوق النار، وأعطي أختي لتشرب الحساء دون إدراك، وإن اعترفت لها بالحقيقة لا تصدقني، وتقول عني ناقصة العقل، وأن دمي ملوث بغدة الشيطان .
تلقيت أنا وأختي الدروس نفسها من زملاء أبي في الجماعة، لم يكن أبي يسمح لنا أن نلتقي بهم دون حجاب، مع إسدال الستارة السميكة حول السرير، وتسير أختي في موسم الانتخابات، محملة بالبركات، والمنشورات، ووعود محمولة فوق العجلات، بالإعلانات والملصقات، عن الشعب والعدالة والحرية، تترنح الكلمات وأبواق الإذاعات.
لم تكن أختي تتذمر أبدا، وإن أصبحت هي المرشحة في الانتخابات، يحملوها على العرش لتتلقى الركلات، ثم يلقون بها بعد الموسم في بئر الملذات، وأنا وأختي داخل جسدنا العاري في برد الشتاء.
أحوط ذراعي حول أختي وأهمس دون صوت: إذا نجحت في دخول الجنة فستحملين لقب الشهيدة. وتهمس أختي في أذني: حانكون شهيدتين مش شهيدة واحدة.
ونكتم الضحكة في أحشائنا مثل المراهقات في شارعنا، نراهن يمشين بجوار الجدران، وقد نمت الأعشاب الميتة فوقها والتراب، وكرات الطين الجافة، والمنشورات الممزقة والإعلانات الممسوحة بطفح المجاري، عن المرشحين والمرشحات من كل الجماعات، والأحزاب، والجبهات منهم الأحياء والأموات، يزيد عددهن عن خمسة آلاف أو عشرة أو عشرين أو أكثر، لا يمكن لنا أن نعرف أعداد المراهقات، وأنا وأختي نسير في الظلمة نطل عليهن، كانت أجسادهن غائبة في النوم، فتيات لم يبلغن العشرين عاما أو الأربعين أو الستين، أرواحهن تلازمنا في ظلام الليل، رغم أن لا أحد من سكان الشارع يتحدث عنهن، أو يذكر التاريخ شيئا عن موتهن.
وكان هناك صبي مراهق من عمرنا، هو صديقنا الوحيد، أو صديق أختي الوحيدة، يعيش مع أبيه في البيت المجاور، بعد أن ماتت أمه في حادث غير معلن. كبر الصبي منذ الطفولة معنا أنا وأختي، وكان يكسب رزقه بتوزيع المنشورات في المواسم، والإمساكيات والمسابح والأحجبة، لكن متعته الوحيدة في الحياة أن يدق على حافة نافذتنا من الخارج، تقفز أختي من فوق السرير قبلي بدقيقة أو نصف دقيقة، كانت هي الأسبق وأنا من ورائها أتبعها، يتشرب وجهها بحمرة العذرية، نزحف معه تحت السرير لنلعب اللعبة، العريس والعروسة، نتبادل الأدوار، أرتدي زي العريس وتأخذ أختي دور العروسة، وهو الصبي يتفحص الشخصيتين معا .
كانت بشرته سمراء شاحبة، تعلوها ثلاثة بثور من حب الشباب، تقول عنها أختي: علامات الحب. كانت هي العاشقة للحب العذري، وأنا الناضجة بالعقل والحكمة، أفتح أزرار ثوبي متظاهرة بالنوم أو الموت حتى تتسلل الأصابع إلى جسدي دون عناء.
كانت أصابعه نحيلة شاحبة ترتعش خوفا من عقاب السماء، وكنت أدربه على فضيلة الشجاعة، لكنه كان ينجذب إلى أختي أكثر مني، تسحره بفنون الأنوثة والتمنع، إن فتح أزرار قميصها تغلقها، تضع أمامه الصعاب، مثل جواد السباق، لا يمتعه إلا القفز على الحواجز.
تقاسمت مع أختي وحبيبها المساحة من البلاط تحت السرير، بدافع اللذة والألم، بالأمل أن يشعر بوجودي مثلها، تملؤني الكراهية لهما هما الاثنين، وأعوي في الليل مثل ذئب، لأملأ قلبهما بالرعب، وكانت أختي مدربة على الكذب، من طول السير في مواسم الانتخابات، والهتاف بأغلظ الأيمانات، والادعاء أن لا شيء يجمعها بالصبي إلا الحب العذري وتوزيع البيانات.
Halaman tidak diketahui