Kitab Adab al-Tabib
كتاب أدب الطبيب
Genre-genre
وإذا كان نفع المعدة 〈على〉 ما ذكرنا، فبحق يجب على الطبيب أن يعنى بصلاحها. وأول صلاحها هو نقاؤها، ونظافتها مما قد بقى فيها، أو تولد فيها، من الفضلات العفنة، ليرد الغذاء إليها على نقاء، كما أن أول صلاح طبخ الطباخ هو نظافة قدره، وآلات الطبخ. وبعد ذلك فأحمد الأمور للمعدة، ولسائر الأعضاء، هو ألا يورد إليها، إلا ما وافقها من الطعام والشراب، وغيرهما مما يرد إليها. والموافق لها يحتاج أن يكون موافقا فى الكمية، وفى الكيفية، وفى الترتيب، وفى الوقت. فإن الطعام والشراب، إذا لم يكونا فى مقدارهما فوق مقدار الحاجة، وكانت كيفيتهما موافقة فى الحرارة والبرودة مثلا، ورتبت الأغذية ترتيبها الموافق، فقدم مثلا الطعام اللطيف السهل الانهضام، قبل الطعام البطئ الانهضام، وقدم أيضا الطعام قبل الشراب، وكذلك أيضا إذا حفظ زمان الهضم، ولم يورد على المعدة طعام آخر، كان جميع ذلك، مع سائر ما يقدر للمعدة من باقى الأمور الطبيعية، أعنى الحركة والسكون، والنوم واليقظة، والاستفراغ والاحتقان، وسائر ما يبقى من ذلك، مصلحا لحال المعدة، ولحال سائر البدن. فلذلك يلزم الطبيب العناية بها.
وأيضا مما يحتاج أن يذكر به الطبيب، ليعنى بعلمه من أمر المعدة، هو ما ذكرناه أولا من استنظافها مما يتولد فيها. والمتولد فيها نوعان من الأخلاط: فأحدهما يمكن إصلاحه ونضجه مع الأغذية، حتى يصل إلى الكبد، ويتولد منه دم. والنوع الآخر من أخلاطها لا يمكن أن يكون منه دم، ولذلك يجب العناية بإخراجه عنها، إما بالإسهال، أو بالقذف.
فالنوع الأول الذى يمكن كونه دما هو البلغم. ولذلك يجب أن يعنى بنضجه وإصلاحه، كالذى نأمر به المشائخ، وأصحاب الأمزجة الباردة الرطبة، ومن يتولد فى معدهم البلغم كثيرا، لتخلف هضمهم ببرد معدهم، بأكل العسل ، وما وافقهم من الجوارشنات، وشرب اليسير من الخمر الصرف فى جملة أغذيتهم، ونظائر ذلك.
وأما النوع الثانى من الأخلاط المتولدة فى المعدة التى لا تستحيل دما، ولا يمكن إصلاحها، فهو مما يتولد فيها، أو ينصب إليها، من الصفراء، أو المرة السوداء، من الأخلاط الصفراوية، والأخلاط السوداوية. وإخراج هذين الخلطين من أسفل، يكون بما يسهلهما من الأدوية المسهلة لهما، إذا مالا إلى أسفل، أو بالقذف، إن مالا إلى ناحية فوق، فقس على ما ذكرته لك، وأحسن التقدير، توفق إن شاء الله! PageV01P07 7
القول فى الأمعاء والطحال والمرارة والكلى والمثانة
وينبغى للطبيب أيضا أن يصرف عنايته إلى علم جواهر بقية الأعضاء الخادمة، وما منافع كل واحد منها، ليعلم بذلك بما يصلحه. فإنه لا يغنيه فى بقاء الجسم، وحفظ صحته، صلاح حالات المخدومة، دون صلاح الخوادم. وهذه الأعضاء هى من الخوادم التى جعلها البارئ تعالى فى الرتبة الثالثة لخدمة المعدة. والأمعاء الدقاق الثلاثة، أعنى المتصل بالبواب، والإثنى عشرى، والصائم، مع ما جعلت طرقا ليتقدم منها ما قد فرغت المعدة من عمله، فإن لها منفعة أخرى، وهى أن العروق الدقاق التى ترد إليها من الكبد، المسماه الماساريقى، وتفسيرها المصافى، خلقت لتجتذب صفو الغذاء إلى الكبد، ليصير فيها دما. ولذلك عوجت هذه الأمعاء تعويجا كثيرا. فأما باقى الأمعاء، فهى الغلاظ، فالمنفعة فيها أنها طرق فقط لتنقية ما تبقى من الثفل.
ولذلك يجب العناية ببروزه وخروجه منها، إن قصرت الطبيعة عن إخراجه. ولذلك يلزم الخادم للطبيعة، وهو الطبيب، أن يعلم كيف ينبغى أن يكون إخراجه، وذلك أن إخراج الثفل، وتسهيل بروزه، يحتاج إلى تفقده يوما يوما. فإنه كما أن الحاجة إلى الغذاء يوما فيوم، كذلك الأمر فى خروج أثفاله. فأول معين فى بروز الثفل بسهولة، هو أن يكون الغذاء سريع الانهضام، ولا يصعب على المعدة إنضاجه، لكن يكون قد أنضج وسحق بعد النضج، بالصنعة والطبخ من خارج، ثم بالفم. ثم ينبغى أن يكون الغذاء فى مزاجه مشابها لمزاج المغتذى به، إذا كان صحيحا.
ومما يعين خروج البراز فى الأمزجة الباردة، وفى المعد المستولى عليها البرد والبلغم، خلط الأشياء الملطفة بالأغذية، لتعين على تولد الصفراء، وتحريكها، وصبها إلى الأمعاء، لتحث البراز على الخروج. وهذه الأشياء الملطفة هى الأشياء الحريفة، كالكمون، والكرويا، والدارصينى والزنجبيل، والفلفل. وللعسل فيما ذكرناه أعظم فعل، لأنه مما يلطف، 〈و〉ينضج البلغم، ويعين على كونه دما. ومما ينفع فى ذلك منفعة عظيمة شرب الخمر وهو صرف، أو قريب من الصرف. وفى الشتاء يكون مزاجه بالماء الحار، والأنبذة المائلة إلى الحلاوة نافعة فى ذلك.
Halaman 78