Kitab Adab al-Tabib
كتاب أدب الطبيب
Genre-genre
ولما قدر الخالق تعالى لمصلحة بدن الإنسان من هذه القوى، ومن أفعالها، مقدارا ما، وجب أن يكون ذلك المقدار هو الطبيعى لذلك الإنسان، وما نقص عنه، أو زاد عليه، فهو غير طبيعى. ولذلك يكون الطبيعى صحة لتلك القوة، ولذلك الجسم، والغير طبيعى مرضا لهما. ولأن النفسين البهيميتين اللتين فى الإنسان كثيرا ما تضران بالنفس الناطقة، وخاصة الشهوانية منهما، لأجل اللذة المقرونة بها، فلذلك وجب أن يكون للذة وقت محدود، وقدر معتدل. ومتى جاوزت ذلك المقدار، ضرت، وأمرضت. ولذلك صارت النفس العاقلة هى المصلحة لهذا الفساد، بتقديرها، وتحديدها أوقات للفعل، ومقاديره. وإذا كان الأمر كذلك، فيجب أن يعلم فعل كل نفس من هذه الأنفس، على الانفراد أولا، بغير معونة من النفسين الأخرايين، ثم ما تفعله بمعونة. فالنفس الناطقة، فعلها على الانفراد هو وجود اتفاق الأشياء، واختلافها. ومثال ذلك أنها، إذا سمعت قولين، وقفت على ائتلافهما من اختلافهما، وعرفت الحق من الباطل. وأما فعلها بمعونة غيرها لها، فهو أنها، إذا رأت النفس الشهوانية قد أفرطت فى بعض حركاتها، استنجدت بالنفس الغضبية، وهى الحيوانية، لأن لهذه النفس الجلد، والبطش، ولولاهما ما أمكن النهوض بفعل، ولا البلوغ إلى غاية.
وجالينوس يقول إن هذه النفس، أعنى الغضبية، جوهرها هو الحرارة الغريزية، وهذا قوله بلفظه، قال جالينوس: وجوهر هذه القوة التى يقوى بها الإنسان على الصبر، والثبات فى الأعمال، فيما أرى ، الحرارة الغريزية، لأن حركة الحرارة الغريزية، كلما كانت أقوى، كان الإنسان أحر، وكما أن البرد يورث الكسل، والسكون، والضعف، كذلك الحرارة تورث النشاط، والحركة، والقوة على الفعل. ولذلك صار الشباب والخمر يبعثان الإنسان على الحركة والبطش، والشيخوخة والأدوية الباردة تورثان الكسل والضعف. فإن تمادى بهما الزمان، أبطلا الأفعال والحركات.
فإذن اعتدال النفس الناطقة، هو أن تكون ذكية، كثيرة الفهم والحفظ، مشتاقة إلى الأفعال الجميلة، وخروجها عن الاعتدال، هو ما قاله جالينوس من أضداد هذه. قال جالينوس: لابد، إن كانت النفس الناطقة بليدة، قليلة الفهم والحفظ، غير مشتاقة إلى الأفعال الجميلة، وكانت النفسان البهيميتان قويتين عسيرتى الانقياد، لم يمكن أن تعتدل. فقد يحتاج إذا أن تكون النفس الناطقة محبة للجميل، مشتاقة إلى الحق، عارفة باتفاق الأشياء واختلافها، وأن تكون النفس الغضبية، وهى الحيوانية، قوية، سلسة الانقياد، وتكون النفس الشهوانية، وهى النباتية، ضعيفة، لأن هذه النفس غير منقادة للنفس الناطقة، كما وصفها فلاطن وشبهها بسبع ضار، وقال: إن الذى يحتاج إليه من النفس النباتية ضعفها، لا أدبها، لئلا تمنع النفس الناطقة من أفعالها.
وإذا كانت قوى هذه النفوس تابعة لمزاج البدن، فما يعرض إذن لأفعالها، وأخلاقها، من الأعراض التى تغيرها، وتخرجها عن الاعتدال، والأمر المحمود، إنما يحدث عن تغايير الجسم، والذى يدل على 〈ذلك〉 ما يعرض لمن فزع، أو حزن، أوسر، ولمن شرب الخمر، ولغير هؤلاء ممن تغير مزاجه بضرب من أمثال هذه الأسباب، أنه يخرج بذلك السبب، والتغيير العارض منه، عن خلقه، وحالات نفسه التى قد عرفها لنفسه فى حال صحته، وسكون نفسه من تلك الحركة، ومن ذلك العارض.
Halaman 56