163

Kitab Adab al-Tabib

كتاب أدب الطبيب

Genre-genre

ومن قراءتك أقاويله هذه، تعلم أن بقاءك بنوعك، لا يتم إلا بالزوجة، لتنسل. والزوجة، والنسل، لا يتم بقاؤهما، إلا بمثل ما به تبقى شخصك، من قوت، وكسوة، ومنزل، وسائر ما به يتم البقاء، وتنحفظ الصحة. وبغير شك أنه يجب أن تعنى باكتساب جميع ذلك، وحفظه لوقت الحاجة إليه. ولاكتساب ذلك طريقان: أحدهما بمباشرتك الأعمال التى منها يقتنى ويوصل إليه بجسمك، كالذى يعمله ملتمس ذلك من الأرض، ليعد له من الحبوب قوتا، ومن القطن مثلا كسوة، وما أشبه ذلك. وذلك لا يتم إلا بفلاحتها، والعناية بتنقيتها، وسائر مصالحها، وزراعتها، وسقيها، وما لا يتم له غرض، إلا به من أعمالها، فبذلك يكتسب قوتا، وكسوة، يكفى له، ولمن سواه.

ومن كان من الأطباء يحتاج أن يعانى تدابير أهل المدن، ويغدو إلى عيادة مرضاهم، مع كثرتهم، وترفهم، فبغير شك أنه لا يمكنه اقتناء مصالحه بجسمه، ولا بمعاناة صناعة أخرى، غير صناعة الطب، فيكتسب منها أقواته، لأنه بذلك ينقطع من عمله، وصناعته، ويصير ضارا، قتالا، أكثر من ضرر الأمراض! فقد بقى إذا أن يكون للطبيب مادة يكتسبها من جهة صناعته، وممن يدبرهم بها، فى حفظ صحة أصحائهم، وفى معالجة مرضاهم.

ومن المعلوم أن من الناس فقراء، ومنهم مياسير، وقد أوجب المنعم تبارك وتعالى على أهل النعم الإحسان، والإفضال، على الفقراء، والمساكين، بما غرس فى قلوبهم، وعقولهم، من العدل، والرحمة. فلذلك يجب على الموسر الذى قد أسبغ الله عليه نعمة، وعلى الطبيب الذى قد شرفه الله بفضل علمه، أن يستعملا العدل مع الفقراء، والضعفاء، ليكون نفع صناعة الطب عاما، شاملا، للقوى والضعيف!

ووجه العدل وابتداؤه ينبغى أن يكون من الطبيب أولا، وذلك بأن يروض نفسه، ويأخذها دائما باستعمال الأخلاق المحمودة، والأفعال المرضية، من الرحمة، والرأفة، والرفق، والعفة، والقناعة، والشجاعة، والسخاء، والصدق، وكتمان السر، وجميع ما جانس ذلك من فضائل النفس، وآدابها، مع الاجتهاد فى اقتناء صناعته، ودرس كتبها، والمعاناة لأعمالها، وبذلها للناس كافة، ولا يفرق فى ذلك بين صديقه وعدوه، ولا بين موافقه ومخالفه.

Halaman 172