Kitab Adab al-Tabib
كتاب أدب الطبيب
Genre-genre
ولست أقول أن جميع الدستكارية يستعملون ما ذكرته بغير علم، وبطريق المحال، لكنى أشرت إلى المموهين منهم. فأما حذاقهم الفره، أصحاب البطش بالأعمال الصحيحة، فإنهم، وإن استعملوا حينا شيئا مما ذكرته، لم يستعملوه على طريق المخرفة، لكن بحيلة طيبة نافعة، يكون بها برء المريض من طريق الوهم، كالذى فعله جالينوس من هذه الأعمال بعينها، فكان بها برء المريض.
وذلك أن جالينوس حكى أن إنسانا توهم أنه قد بلع حية، فعولج بكل دواء، فلم ينجح فيه. فلما وقف جالينوس على خبره سأله: هل تعرف لون تلك الحية؟ فقال: هو اللون الفلانى، ومقدارها المقدار الفلانى. فأمر، سرا من العليل، بمن صاد له حية بتلك الصورة. وأخفاها بلطيف الحيلة، وسقى المريض دواء، قذفه، وشد عينيه حين أخذ يقذف، وسرح الحية المذكورة مع القذف. وأمر من حضر أن يعلوا أصواتهم بالتباشير بخروج الحية بالقذف. فحين فض عن عينى المريض، قال: هذه هى الحية التى ابتلعتها بعينها، وقد وجدت الراحة! فبرئ برءا تاما من توهمه.
وقد جرى له، ولغيره، أمثال ذلك كثيرا مع قوم من أصحاب المالنخوليا، وغيرهم، ممن تداخلهم الرعب، والفزع من أشياء، فذابت أبدانهم، واصفرت ألوانهم، فلم يقدر فيهم على علامة تدل على مرض. فلما علم منهم أن ذلك لفزع، عملت الحيلة لإدخال السرور على قلوبهم، فبرئوا.
وذلك لا يكون بصنف واحد من التدبير والحيلة، لأن منه ما يكون من جهة الأخبار المسموعة، والكتب التى ترد فيها و〈منه ما يكون〉 من جهة المنظورات. وكذلك من باقى الحواس. فيحتاج أن يكون الطبيب لذلك ذكيا فطنا، لاستخراج السبب، ولمقابلته بالحيلة. كالذى استخرجه جالينوس 〈من〉 سبب ذلك المملوك، الذى كان خازنا لمال مولاه، وقد كان بدنه آخذا فى الذبول، والنقصان. فطال سهره، فشغل ذلك قلب مولاه. فلما بحث جالينوس عن سببه، لم يجد علامة لمرض بجسمه. فتقصى أمره، فعلم أن سببه خوف الفضيحة من نقصان ذلك المال. فأعلم مولاه بذلك، وقال له: أظهر له أنه ثقة، وأنه 〈لا〉 يحاسب! فلما وثق الغلام بأنه لا يحاسب، عاد بدنه، وقوى، وبرئ فى ثلاثة أيام.
وقد حكى جالينوس فى أمثال هذه الحيل النافعة حكايات كثيرة فى كتابه فى نوادر تقدمة المعرفة، وفى كتابه فى حيلة البرء، وفى غيرهما، من أقاويله، من التمس ذلك وجده. وأما هاهنا، ففى ما كتبناه فى هذا الباب كفاية.
Halaman 162