يحكم بيمين خالها «١» صادقة وهي غموس «٢» كاذبة وقد يحسن أحد الخصمين الدفاع والبيان؛ فيحسب الحق في جانبه؛ فيحكم له والحق لصاحبه، فمثل هذا القضاء يجوز من الرسول ﷺ كما يجوز من غيره؛ والقضاء ينفذ فيه ظاهرا لا باطنا فلا يحرم حلالا، ولا يحل حراما؛ فإن كان القضاء طبق الواقع نفذ ظاهرا وباطنا.
فيا أيها المسلم لا تسلك إلى الباطل الحيل؛ ولا تأكل الإثم وإن قضت به لك المحاكم؛ أو عجز صاحب الحق عن رفع دعواه لفقده الرسوم، أو لأنه يخشى بأسك وسلطانك، أو لأنه تعوزه البينة والدليل، واجعل لعلمك قيمة فاعمل به وإن خالفه القضاء، واعلم أن الله رقيب عليك، يعلم سرك وجهرك، وباطلك وحقك، وهو أولى بالخشية؛ وأجدر بالرعاية وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ «٣» .
وأما أنت أيها القاضي فليكن لك في رسول الله ﷺ أسوة حسنة، فإذا تقدم إليك الخصوم، وقد جدّ بينهم النزاع فتقدم إليهم بالموعظة الحسنة. والمقالة المؤثرة، عسى أن يرجعوا عن خصامهم، ويعترفوا بالحق فيعودوا من مجلسك إخوانا متصافين، ولنصحك شاكرين.
٢٩- باب: حق الطريق
عن أبي سعيد الخدريّ ﵁، عن النّبيّ ﷺ قال: «إيّاكم والجلوس على الطّرقات» - في رواية بالطرقات- فقالوا: ما لنا بدّ إنّما هي مجالسنا نتحدّث فيها. قال: «فإذا أبيتم إلّا المجالس فأعطوا الطّريق حقّها» .
قالوا: وما حقّ الطّريق؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السّلام؛ والأمر بالمعروف، والنّهيّ عن المنكر» . [رواه البخاري ومسلم وأبو داود «٤»] .
_________
(١) خالها: ظنّها.
(٢) الغموس: التي تغمس صاحبها في الإثم لكذبها.
(٣) سورة الأحزاب، الآية: ٣٧.
(٤) رواه البخاري في كتاب: المظالم، باب: أفنية الدور والجلوس فيها و... (٢٤٦٥) . ورواه مسلم في كتاب: اللباس والزينة، باب: النهي عن الجلوس في الطرقات وإعطاء الطريق حقه (٥٥٢٨) .
1 / 69