واعلم أن بعض القول أغمض من بعض، وبعضه أبين من بعض، وبعضه أحسن من بعض، وبعضه ألين من بعض، وإن كان واحدًا فإن الكلمة اللينة لتلين من القلوب ما هو أحشر من الحديد، وإن الكلمة الخشنة لتخشن من القلوب ما هو ألين من الحرير، وإن أعظم الناس بلاء وأدومهم عناء وأطولهم شقاء من ابتلى بلسان مطلق وفؤاد مطلق فهو لا يحسن أن ينطق ولا يقدر أن يسكت. واعلم أن ليس تحسن أن تجيب من لا يسألك ولا تسأل من يجيبك.
وفى ذلك أقول شعرًا:
رب مال سينعم الناس فيه ... وهو عن ربه قليل الغناء
كان شقا به وينصب حيًا ... ثم أمسى لمعشر عرباء (١٨)
مالهم عنده جزاء إذا ما ... أنعموا فيه غرسوا الثناء
رب مال يكون غمًا وذمًا ... وعناء بعد في الفقراء
وقال في مضيف الطعام:
إذا كنت ممن يؤكل طعامه وتحضر مائدته ويؤكل معه فليكن الذى يتولى صنعة طعامك من ألب (١٩) الناس في عمله وأنظفهم في يديه ولا تدع إعلامه إن أحسن ولا إنذاره إن أساء فإنّ بعتبك عليه خير من تعنت الناس عليك.
_________
(١٨) (عرباء): هكذا بالأصل والصواب غرباء.
(١٩) ألب: الألبُ: نشاط الساقى ورجل ألوب سريع إخراج الدّلوِ. لسان العرب (١/ ١٠٦).
والمعنى المقصود هنا والله أعلم الذى يتولى صنعة طعامك من أمهر الناس وأسرعهم في عمله.
1 / 19