إن أدب العصر العباسي مثلا تشيع فيه كلمة «أنا» ويشيع فيه المدح الكاذب، على حين أن الروح السائدة الآن، أو التي يجب أن تسود الشباب، هي «الأمة» بدلا من «أنا» ...».
وضرب الأستاذ أحمد لطفي السيد مثلا على سوء الرأي المتفشي في بعض هذه الكتب بما ذكره «القلقشندي» في «صبح الأعشى» من الشروط التي يجب أن تتوافر في «الوزير»؛ إذ قال، فيما قال: «يجب أن يكون الوزير دقيق الحس بحيث يسبق الأمير إلى غايته.» «أتريدون دليلا أبلغ من هذا على فساد هذه الآراء ودعوتها السافرة إلى النفاق والوصولية؟!
وشعر أبي نواس، وابن أبي ربيعة وغيرهما، يجب أن نجنب الشباب الاطلاع عليه حتى لا يحاولوا ترسم خطاهم في المجون.»
وقريب من هذا الرأي ما قاله أيضا «ابن رشد» عن الشعر العربي. •••
ونزعة «أنا» الغالبة في الشعر العربي هي نزعة انفرادية، وهي تبرز - كما ننتظر - في البارزين في هذا الأدب، مثل المتنبي وأبي نواس.
ويجب أن نقف هنا ونتلبث في تأمل العاهة الجنسية التي اشتهرت عن أبي نواس، فإنها من صميم الانفرادية.
إذ ما هو الرجل الانفرادي؟
هو بلا شك ذلك الذي يجعل شعاره في الدنيا: «أنا وحدي، لا أبالي المجتمع، ولا أفكر إلا في لذاتي وشهواتي واستمتاعاتي».
وهو حين ينتهي إلى ذلك يجد أن الاتجاه الجنسي الشاذ لا يخرج عن منطق حياته ونزعته واتجاهه، وليس شيء في الدنيا هو أمعن في الانفرادية مثل الاشتهاء الجنسي الشاذ؛ ذلك أن هذا الاتصال الشاذ هو عدوان.
وهو قريب في معناه، ويكاد يكون قريبا في إحساسه، من «السادية» التي تنتسب إلى المركيز دوساد، وأخلاقنا العامة تتبلور في اتجاهاتنا وأساليبنا الجنسية.
Halaman tidak diketahui