إن المجاز هو حلية كل لغة وخاصة العربية، ولا أعد الكاتب كاتبا حتى يبرع فيه، وهذا الذي جعلني أكثر منه مع أنه متعب جدا، ولكنني أرمي إلى تربية ملكات القراء وإعطائهم أمثلة من التصور إلى آخر ما تعرفه.
لقد أتعبت القارئ في تلاوة هذه المقتبسات، ولكني قصدت إلى أن أوضح أن الأدب العربي القديم الذي كان يعتمد عليه الرافعي لا يكفي لتخريج الأديب الملهم الذي يستطيع أن يطرب ويرشد معا، وأن الأديب العصري هو الأديب الإنساني المكافح الذي يطابق بينه وبين الأهداف الإنسانية.
ولست أشك في أن الرافعي مثال مسرف في الاقتصار على الأدب العربي القديم وجهل الآداب العالمية، ولكن هذا الأدب العربي القديم هو علة المناقشات المترددة التي تنشأ من وقت لآخر، حين نجد «أديبا» يحمل على أديب آخر؛ لأنه غير مؤمن، أو لأنه شعوبي، أو لأنه شيوعي، أو لأنه لا يفهم الأدب ... إلخ، هذه التهم التي تعود إلى الجهل، ثم العناد في الجهل بالإصرار عليه.
وأخيرا أقول إننا يجب أن ندرس الآداب العربية، ولكن لا نقتدي بها في أهدافها وأساليبها، وإنما لنعرف منها تاريخنا الثقافي.
تراثنا الإقطاعي في المجتمع والأدب
أود لو أرى كتابا يؤلف في اللغة العربية عن المجتمع الروماني القديم بلغته، وعاداته، وقوانينه، ونظمه، كما نراها اليوم، أو نرى رواسبها في المجتمع المصري الحاضر.
ذلك لأني كثيرا ما أعثر على مخلفات رومانية قد تحجرت في نظمنا الاجتماعية، بل أحيانا في خرافاتنا وأساطيرنا.
إن مثل هذا الكتاب ينفعنا كثيرا في تبريد عواطفنا التاريخية، وأيضا في تنوير عقولنا وتحريرها من سجن التقاليد وقيود الماضي، وعندئذ يزول عنا ذلك العائق السيكلوجي الذي يفصل بيننا وبين المستقبل.
اعتبر هذه الكلمات: فدان، عقار، ميراث.
فإن هذه الكلمات الثلاث التي ينهض عليها نظامنا الاجتماعي هي كلمات رومانية، بل إن كلمة فدان تعود إلى الجذر الذي اشتقت منه أوروبا كلمة «فيوداليتيه» أي النظام الإقطاعي.
Halaman tidak diketahui