والآن أنتقل إلى كاتب آخر أحب أن أقطع من أدبه قطاعات تدل القارئ على النزعات التي يستلهمها الأديب حين تقتصر دراسته على الأدب العربي القديم دون الأخذ بالقيم العصرية، ودون الانغماس في المشاكل الاجتماعية والإنسانية الحاضرة.
هذا الأديب هو مصطفى صادق الرافعي، ولن أفعل أكثر من أن أنقل إلى القارئ فقرات من مؤلفاته نقلتها السيدة الأديبة نعمات أحمد فؤاد ونشرتها في كتاب بعنوان «في أدب الرافعي»، وهي لم تر الرافعي في حياتها؛ لأنه مات قبل أن تبلغ سن الإيناع في الأدب، ولذلك لا يمكن أن تتهم بشبهة الخصومة الشخصية كما يمكن أن أتهم أنا؛ لأني كنت على معارضة دائمة لما يكتب، حتى إنه كتب مقالا عني بعنوان «سلامة موسى عدو العروبة والإسلام»، وقد تعبت مع هذا الرجل كثيرا، فإنه كان جهلا مكافحا، يكتب الهذر ولا يطيق أن نقول له إنه هذر.
لو أن الرافعي كان قد درس الآداب الأوروبية، فضلا عن الآداب العالمية، لعرف شيئا آخر، فيه من السمو وشرف الغاية وصلاح العيش وحب الحياة، غير ما عرف من الأدب العربي، ولكن جهله حمله على القناعة بأدب العرب، ثم حمله على العنت وسب جميع الذين يعرفون غير هذا الأدب.
وإليك بعض المقتبسات من مؤلفاته، وقد اعتمدت فيها على كتاب السيدة نعمات أحمد فؤاد في كتابها الذي أشرت إليه: «في أدب الرافعي».
فالرافعي يؤمن بالعين ويكتب بمناسبة نجاح ابنه:
لقد نجح سامي، ولكن أخاه تخلف، فالحمد لله أن رد عنا أعين الناس وسمومها.
ويكتب عن نجاح كتابه:
أنا في غاية السأم الآن، أنفر من كل شيء، ولعل نظرات الناس قد أصابتنا بعد ظهور الكتاب الجديد، وما لقي من التنويه والإقبال.
هذا أديب يكتب كي يرشد الناس في شئون الحياة، وهو مع ذلك يؤمن بالعين والحسد ... وهو يتحدث عن شعور المرأة وعن الحضارة الأوروبية فيقول:
أنا ناقم أشد النقمة على مبدأ هذه الصحيفة، فأي سفور يريدون؟ أخزاهم الله!
Halaman tidak diketahui