ورأى الحسن قوما يتضاحكون، ويتغامزون، ويتدافعون بعد انصرافهم يوم الفطر من صلاة الفجر، فقال: يا قوم! إن الله سبحانه جعل شهر رمضان مضمارا لعباده، يستبقون الطاعة إلى رحمة الله، ويجتهدون في الأعمال ليفوزوا بدخول جنته، فسبق أقوام ففازوا، وقصر آخرون فخابوا، والعجب كل العجب للضاحك في اليوم الذي ربح فيه المحسنون، وخسر المبطلون.
أما -والله- لو كشف الغطاء، لشغل محسن بإحسانه، ومسيء بإساءته، عن تجديد ثوب، وترجيل شعر.
فإن كنتم -وفقكم الله- قد تقرر عندكم أن سعيكم قد قبل، وعملكم الصالح قد رفع، فما هذا فعل الشاكرين! وإن كنتم لم تتيقنوا ذلك، فما هذا فعل الخائفين!
وكان يقول: ابن آدم! أقلل الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب، وتزيل البهجة، وتسقط المروءة، وتزري بذي الحال.
وكان يقول: روي أن الله -سبحانه وتعالى- أوحى إلى عيسى -عليه السلام- يا عيسى! اكحل عينيك بالبكاء إذا رأيت الغافلين يضحكون.
وعاد الحسن عليلا، فوافقه وهو في الموت، ورأى تقلبه وشدة ما نزل به، فلما رجع إلى داره، قدموا له طعاما، فقال: عليكم بطعامكم وشرابكم؛ فإني رأيت مصرعا لا بد لي منه، ولا أزال أعمل له حتى ألقاه، وتأخر عن الطعام أياما، حتى لطف به وأكل.
وكان يقول: إن الله سبحانه لم يجعل لأعمالكم أجلا دون الموت، فعليكم بالمداومة؛ فإنه -جل ثناؤه- يقول: {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}.
Halaman 120