الأول: بذل الهمة في تحصيل العلوم الشرعية خصوصًا الكتاب العزيز والسنة النبوية، لأن أولى الناس بذلك أهل البيت النبوي، ولم يزل سلفهم رضوان الله عليهم على ذلك، فإن العلوم الشرعية ما طهرت وانتشرت إلا من عنصر بيتهم الشريف فكيف لا يهتفون بهذا، وهذا عبد الله بن عباس الحبر ﵄ يقول: طلبت العلم فلم أجد أكثر منه في الأنصار، فكنت آتي الرجل فأسأل عنة، فيقال لي: نائم، فأتوسد ردائي ثم اضطجع، حتى يخرج إلي الظهر فيقول: متى كنت هنا يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فأقول: منذ طويل، فيقول ة بئس ما صنعت.. هل أعلمتني؟ فأقول: أردت إن تخرج إلي وقد قضيت حاجتك. وفي رواية عنه قال: وجدت أكثر حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند هذا الحي من الأنصار، والله إن كنت لآتي الرجل منهم فيقال: هو نائم، فلو شئت إن يوقظ لي. فادعه حتى يخرج لأستطيب بذلك حديثه، رواه الدارمي في مسنده واخرج في الصفوة عن ابن عباس ﵄ قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قلت لرجل من الأنصار: هلم فلنسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنهم اليوم كثير، فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس، أترى الناس يفتقرون إليك، وفي الناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من فيهم، قال: فتركته وأقبلت أسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحديث، فإن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل، فأتوسد الباب، فيخرج فيراني، فيقول: يا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك، فأقول بل أنت أحق إن آتيك، فأسأله عن الحديث. فعاش ذلك الرجل الأنصاري حتى رآني، وقد اجتمع الناس حولي يسألوني فيقول: هذا الفتى كان أعقل مني. وأخرجه الخطيب في الجامع من طريق عكرمة عن ابن عباس ﵄، إلا أنه قال: فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تنفخ الريح علِى التراب، والباقي سواء، وقد تقدم قول ابن عباس: ذلك طالبًا فعززت مطلوبًا، فقد أفضى ذلك بابن عباس إلى كمال الشرف والفخار، وأخرج الخطيب في الجامع عن الشعبي قال: أخذ ابن عباس ﵄ بركاب زيد ابن ثابت فقال له: أتمسك بي وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء، وأخرج أيضًا عن الحسن قال: رئي ابن عباس ﵄ آخذًا بركاب أبي بن كعب فقيل له: أنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وتأخذ بركاب رجل من الأنصار؟ فقال: أنه ينبغي للحبر إن يعظم ويشرف، وقد تقدم ما روي إن عليًا بن الحسين ﵉ كان يذهب إلى زيد بن اسلم، فيجلس إليه يعني للأخذ عنه، فقيل له: أنت سيد الناس وأفضلهم، تذهب إلى هذا العبد فتجلس إليه؟ فقال: العلم يتبع حيث كان وممن كان، أي إن الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها حيث وجدها، وقال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: الشريف كل الشريف من شرفه علمه، والسؤدد حق السؤدد لمن اتقى ربه، والكريم من أكرم عن ذل النار وجهه، وما أحسن قول امرئ القيس:
لسنا وإن أحسابنا كرمت ... يومًا على الأحساب نتكل
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل مثلما فعلوا
وقال محمد النفس الزكية بن عبد الله المحض بن الحسن المثنى بن الحسن السبط ﵃: كنت أطلب العلم في دور الأنصار حتى أني لأتوسد عتبة أحدهم فيوقظني الإنسان فيقول: إن سيدك قد خرج إلى الصلاة وما يحسبني إلا عبده.
1 / 25