Adab al-Khilaf - Yasser Burhami
أدب الخلاف - ياسر برهامي
Genre-genre
الاختلاف في وجوب المضمضة والاستنشاق
في مسألة وجوب المضمضة والاستنشاق أن كثيرًا من المعاصرين يرجح وجوبهما، ولكن جمهور أهل العلم على الاستحباب، فالبعض يرى أن فيها نصًا واضحًا، وهو أن الرسول قال: (إذا توضأت فمضمض) والشيخ الألباني صححه، وفي حديث آخر أن النبي ﷺ قال: (إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماءً ثم لينتثر) فيقولون: هذا نص في المسألة.
فنقول: هل هذا نص أم هذا الأمر ظاهر فقط؟ ونحن نعرف أن حد مسائل الخلاف السائغ هو ما لا يصادم نصًا، والنص معناه: ما لا يحتمل إلا وجهًا واحدًا، وليس معناه وجود حديث في أمر ما؛ فإن هذا الأمر أولًا كما ذكرنا ظاهره الوجوب ويحتمل الاستحباب، فإذا كان هناك قرينة صارفة من الوجوب إلى الاستحباب صح أنه للاستحباب، وإذا لم يكن هناك قرينة فهو للوجوب.
فنقول: إن هذا الأمر لا يصح أن يقال: فيه نص، وإنما ظاهر الأمر الوجوب، وجمهور العلماء يرون أن هذا الأمر للاستحباب حتى لو صح حديث: (إذا توضأت فمضمض) وحديث الأمر بالاستنشاق، وقول الجمهور بالاستحباب من أجل قرينة قوية -وفي الحقيقة أنا أرى قول الجمهور فيها- وهي: أن النبي ﷺ في مقام التعليم لأعرابي جاهل لا يدري كيف يصلي أمره بالوضوء كما أمره الله، والنبي ﷺ أمره بما أتى به وبما لم يأت به في صلاته، فقال: (إنه لا تتم صلاة أحدكم حتى يتوضأ كما أمره الله، فيغسل وجهه ويديه ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين)، فلم يزد على الآية، والآية ليست مجملة، بل هي في مقام البيان، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وهذا الكلام كلام قوي من جهة الدليل، وهذا يصلح قرينة صارفة من الوجوب إلى الاستحباب، فهذا قول جمهور أهل العلم، ومعروف أن الحنابلة يقولون بوجوب الاستنشاق، وفي قول آخر يقولون بوجوب المضمضة والاستنشاق، والخلاف في وجوب المضمضة والاستنشاق في الغسل والوضوء معروف، والمقصود من هذا ألا يظن أحد أننا نخالف النصوص.
وهكذا وجوب الترتيب في الوضوء أو استحبابه، فهناك من يلغي الترتيب ويقول: إن فصل القرين عن قرينه والنظير عن نظيره لابد أن يكون لسبب، وليس هناك نص قاطع في هذا الباب، فالشافعية يقولون بوجوب الترتيب، والمالكية وغيرهم يقولون باستحباب الترتيب في أعضاء الوضوء.
4 / 3