Adab Dunia dan Din

al-Mawardi d. 450 AH
165

Adab Dunia dan Din

أدب الدنيا والدين

Penerbit

دار مكتبة الحياة

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

1407 AH

Lokasi Penerbit

بيروت

Genre-genre

Tasawuf
وَحُكِيَ عَنْ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ أَنَّهَا قَالَتْ لِزَوْجِهَا طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الزُّهْرِيَّ، وَكَانَ أَجْوَدَ قُرَيْشٍ فِي زَمَانِهِ: مَا رَأَيْت قَوْمًا أَلْأَمَ مِنْ إخْوَانِك، قَالَ مَهْ وَلِمَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ: أَرَاهُمْ إذَا أَيْسَرْت لَزِمُوك، وَإِذَا أَعْسَرْت تَرَكُوك. قَالَ: هَذَا وَاَللَّهِ مِنْ كَرَمِهِمْ، يَأْتُونَنَا فِي حَالِ الْقُوَّةِ بِنَا عَلَيْهِمْ، وَيَتْرُكُونَنَا فِي حَالِ الضَّعْفِ بِنَا عَنْهُمْ. فَانْظُرْ كَيْفَ تَأَوَّلَ بِكَرْمِهِ هَذَا التَّأْوِيلَ حَتَّى جَعَلَ قَبِيحَ فِعْلِهِمْ حَسَنًا، وَظَاهِرَ غَدْرِهِمْ وَفَاءً. وَهَذَا مَحْضُ الْكَرَمِ وَلُبَابُ الْفَضْلِ، وَبِمِثْلِ هَذَا يَلْزَمُ ذَوِي الْفَضْلِ أَنْ يَتَأَوَّلُوا الْهَفَوَاتِ مِنْ إخْوَانِهِمْ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ: إذَا مَا بَدَتْ مِنْ صَاحِبٍ لَك زَلَّةٌ ... فَكُنْ أَنْتَ مُحْتَالًا لِزَلَّتِهِ عُذْرَا أُحِبُّ الْفَتَى يَنْفِي الْفَوَاحِشَ سَمْعُهُ ... كَأَنَّ بِهِ عَنْ كُلِّ فَاحِشَةٍ وَقْرَا سَلِيمُ دَوَاعِي الصَّبْرِ لَا بَاسِطٌ أَذًى ... وَلَا مَانِعٌ خَيْرًا وَلَا قَائِلٌ هَجْرَا وَالدَّاعِي إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ شَيْئَانِ: التَّغَافُلُ الْحَادِثُ عَنْ الْفَطِنَةِ، وَالتَّأَلُّفُ الصَّادِرُ عَنْ الْوَفَاءِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: وَجَدْت أَكْثَرَ أُمُورِ الدُّنْيَا لَا تَجُوزُ إلَّا بِالتَّغَافُلِ. وَقَالَ أَكْثَمُ بْنُ صَيْفِيٍّ: مَنْ شَدَّدَ نَفَّرَ، وَمَنْ تَرَاخَى تَأَلَّفَ، وَالشَّرَفُ فِي التَّغَافُلِ. وَقَالَ شَبِيبُ بْنُ شَيْبَةَ الْأَدِيبُ: الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ الْمُتَغَافِلُ. وَقَالَ الطَّائِيُّ: لَيْسَ الْغَبِيُّ بِسَيِّدٍ فِي قَوْمِهِ ... لَكِنَّ سَيِّدَ قَوْمِهِ الْمُتَغَابِي وَقَالَ أَبُو الْعَتَاهِيَةِ: إنَّ فِي صِحَّةِ الْإِخَاءِ مِنْ النَّاسِ ... وَفِي خُلَّةِ الْوَفَاءِ لَقِلَّهْ فَالْبَسْ النَّاسَ مَا اسْتَطَعْت عَلَى ... النَّقْصِ وَإِلَّا لَمْ تَسْتَقِمْ لَك خُلَّهْ عِشْ وَحِيدًا إنْ كُنْت لَا تَقْبَلُ الْعُذْرَ ... وَإِنْ كُنْت لَا تَجَاوَزُ زَلَّهْ مِنْ أَبٍ وَاحِدٍ وَأُمٍّ خُلِقْنَا ... غَيْرَ أَنَّا فِي الْمَالِ أَوْلَادُ عِلَّهْ وَمِمَّا يَتْبَعُ هَذَا الْفَصْلَ تَأَلُّفُ الْأَعْدَاءِ بِمَا يُنْئِيهِمْ عَنْ الْبَغْضَاءِ وَيَعْطِفُهُمْ عَلَى الْمَحَبَّةِ. وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ بِصُنُوفٍ مِنْ الْبِرِّ وَيَخْتَلِفُ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ. فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ سِمَاتِ الْفَضْلِ وَشُرُوطِ السُّؤْدُدِ، فَإِنَّهُ مَا أَحَدٌ يَعْدَمُ

1 / 180