114

Adab Dunia dan Din

أدب الدنيا والدين

Penerbit

دار مكتبة الحياة

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

1407 AH

Lokasi Penerbit

بيروت

Genre-genre

Tasawuf
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لِنَافِذِ قُدْرَتِهِ وَبَالِغِ حِكْمَتِهِ، خَلَقَ الْخَلْقَ بِتَدْبِيرِهِ وَفَطَرَهُمْ بِتَقْدِيرِهِ، فَكَانَ مِنْ لَطِيفِ مَا دَبَّرَهُ وَبَدِيعِ مَا قَدَّرَهُ، أَنَّهُ خَلَقَهُمْ مُحْتَاجِينَ وَفَطَرَهُمْ عَاجِزِينَ، لِيَكُونَ بِالْغِنَى مُنْفَرِدًا وَبِالْقُدْرَةِ مُخْتَصًّا حَتَّى يُشْعِرَنَا بِقُدْرَتِهِ أَنَّهُ خَالِقٌ، وَيُعْلِمَنَا بِغِنَاهُ أَنَّهُ رَازِقٌ، فَنُذْعِنَ بِطَاعَتِهِ رَغْبَةً وَرَهْبَةً وَنُقِرَّ بِنَقَائِصِنَا عَجْزًا وَحَاجَةً. ثُمَّ جَعَلَ الْإِنْسَانَ أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْحَيَوَانِ مَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ عَنْ جِنْسِهِ، وَالْإِنْسَانُ مَطْبُوعٌ عَلَى الِافْتِقَارِ إلَى جِنْسِهِ. وَاسْتِعَانَتُهُ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لِطَبْعِهِ، وَخِلْقَةٌ قَائِمَةٌ فِي جَوْهَرِهِ. وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ ﷾: ﴿وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا﴾ [النساء: ٢٨] . يَعْنِي عَنْ الصَّبْرِ عَمَّا هُوَ إلَيْهِ مُفْتَقِرٌ وَاحْتِمَالِ مَا هُوَ عَنْهُ عَاجِزٌ.
وَلَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ حَاجَةً مِنْ جَمِيعِ الْحَيَوَانِ كَانَ أَظْهَرَ عَجْزًا؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الشَّيْءِ افْتِقَارٌ إلَيْهِ، وَالْمُفْتَقِرُ إلَى الشَّيْءِ عَاجِزٌ بِهِ. وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ: اسْتِغْنَاؤُك عَنْ الشَّيْءِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِغْنَائِك بِهِ. وَإِنَّمَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْإِنْسَانَ بِكَثْرَةِ الْحَاجَةِ وَظُهُورِ الْعَجْزِ نِعْمَةً عَلَيْهِ وَلُطْفًا بِهِ؛ لِيَكُونَ ذُلُّ الْحَاجَةِ وَمُهَانَةُ الْعَجْزِ يَمْنَعَانِهِ مِنْ طُغْيَانِ الْغِنَى وَبَغْيِ الْقُدْرَةِ؛ لِأَنَّ الطُّغْيَانَ مَرْكُوزٌ فِي طَبْعِهِ إذَا اسْتَغْنَى، وَالْبَغْيَ مُسْتَوْلٍ عَلَيْهِ إذَا قَدَرَ.
وَقَدْ أَنْبَأَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ عَنْهُ فَقَالَ: ﴿كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى﴾ [العلق: ٦] ﴿أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى﴾ [العلق: ٧] . ثُمَّ لِيَكُونَ أَقْوَى الْأُمُورِ

1 / 129