يفهم من كلام البناني (١) أنه يرى أن البيان والامتثال "يحصل بكل منهما الآخر" فظاهر هذا أنه لا يتصوّر انفصال الفعل البيانيّ عن الامتثال.
وقد ورد في حديث عند ابن ماجه والبيهقي، أنه النبي ﷺ توضأ مرة مرة، ثم قال: "هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلاّ به". ثم توضأ مرتين مرتين، وقال: "من توضأ مرتين آتاه الله أجره مرتين". ثم توضأ ثلاثًا ثلاثًا، وقال: "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء قبلي". قال القاضي حسين من الشافعية: من أصحابنا من قال: فعل رسول الله ﷺ هذه الوضوءات في مجالس، لأنه لو كان في مجلس واحد لصار غسل كل عضو ست مرات، وذلك مكروه.
قال: ومنهم من قال: كان ذلك في مجلس واحد للتعليم، ويجوز مثل ذلك للتعليم.
قال النووي: "ظاهر رواية ابن ماجه أنه كان في مجلس واحد. وهذا كالمتعين، لأن التعليم لا يكاد يحصل إلا في مجلس واحد" (٢). اهـ.
فالوضوء الأخير من الثلاثة كان تمثيلًا لمجرد البيان. فإن صحّ الحديث كان دليلًا أنه ﷺ كان يفعل أحيانًا لمجرد البيان.
ومثال آخر: أنه ﷺ قال لعمّار بن ياسر حين أراد أن يعلمه التيمم: "إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا .. " الحديث. فلا يبعد أنه ﷺ كان متوضئًا وأن ما فعله من التيمّم صوري. وحتى لو لم يكن متوضئًا فالظاهر أنه كان بالمدينة، والتيمّم للحاضر لا يجزئ.
ومن جهة أخرى، قد تنفرد جهة الامتثال، فيكون الفعل امتثالًا مجردًا من دون أن يكون بيانًا لشيء. ومن ذلك ما كان ﷺ يفعله في خلواته مما لا يطّلع عليه أحد من الأمة "لأن ما أريد به البيان يلزم إظهاره" (٣).
(١) حاشية شرح جمع الجوامع ٢/ ٩٨
(٢) النووي: المجموع ١/ ٤٧١
(٣) الغزالي: المستصفى ٢/ ٢٨