المبحث الأول الفِعل الجبلي
إن النبي محمدًا ﷺ كغيره من أنبياء الله، بشر كسائر البشر، لم يتميّز عن سائر البشر إلاّ بأن الله أوحى إليه برسالته، واختاره ليؤدي مهمة البلاغ وما يتبعها مما تقدم ذكره. قال الله تعالى: ﴿قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد﴾ (١). ﴿قل سبحان ربي هل كنت إلّا بشرًا رسولًا﴾ (٢).
وإن اختيار الله تعالى له لحمل الرسالة لم يَستتبع انخلاعه ﷺ من رتبة البشرية، بل بقي واحدًا من البشر، له مثل ما لهم من الحاجات البدنية والنفسية. وذلك مقتضى إنسانيته وبشريته، من أجل ذلك كان قضاؤه لتلك الحاجات أمرًا دعت إليه جبلته البشرية، وليس بمقتضى الرسالة، أما الذي بمقتضى الرسالة فهو الأفعال التشريعية التي يفعلها لتكون مطابقة لشرع الله تعالى.
تنبيه: إن كان الفعل مما لا تقتضيه الجبلة كالركوع والسجود، ورفع اليدين في الدعاء، ونحو ذلك، فهو خارج عن هذا المبحث، بخلاف القيام والجلوس والاضطجاع والأكل والشرب.
فإذا وجد المخالف لمقتضى الجبلة في الفعل العبادي، فهو مشروع فيها قطعًا، إما مستحبّ أو واجب، ما لا يُظَنّ أن النبي ﷺ فعله في أثناء العبادة لغرض بدني أو نحوه فيكون من المباح.
(١) سورة فصلت: آية ٦
(٢) سورة الإسراء: آية ٩٣