أعدائهم، ومعيَّةُ الله للصابرين من هذا القبيل، فالله ناصر للصابرين، وكافيهم شر من يبسطون إليهم ألسنتهم أو أيديهم بالأذى. والجملة بيان لحكمة الاستعانة بالصبر، وهو الفوز والنصر. وقال تعالى: ﴿مَعَ الصَّابِرِينَ﴾، ولم يقل: (مع المصلين)؛ لأن الصلاة كما أمر الله لا تقوم إلا بالصبر؛ فالمصلون بحق داخلون في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾.
﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾:
المعروف أن الموت: مفارقة الروح للجسد، فيسلب الجسد الحياة، ويعدم الحس والحركة الإرادية. وهذا المعنى حاصل فيما يرى لمن قتل في سبيل الله، كما يرى لمن مات على فراشه. والآية تنبه على أن في الشهداء مزية تفصلهم عن الموتى المعروفين لدى الناس، وهي أنهم في حياة سارة، ونعيم لذيذ عند ربهم؛ وهذه الحياة الممتازة ترفعهم عن أن يقال فيهم كما يقال في غيرهم: أموات، وإن كان المعنى اللغوي للموت حاصلاَّ لَهم؛ ولهذا يصح أن يقال: مات فلان شهيدًا. وقد يكره الشارع إطلاق اسم على شيء، وإن كان إطلاقه عليه موافقًا للغة؛ حيث يكون إطلاقه مشعرًا بشيء من الاستهانة بشأنه، ويحب أن يسمى باسم أدلَّ على فضله من ذلك الاسم.
والمعروف أن أرواح السعداء من غير الشهداء في حياة ونعيم بعد الموت، ولكن للشهداء حياة أرقى تمتاز عن حياة غيرهم من السعداء، نؤمن بها كما ذكرها الله تعالى، ولا ندرك حقيقتها؛ إذ لا يمكن إدراكها إلا من طريق الوحي؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾؛ أي: لا تحسون، ولا تدركون حالهم بالمشاعر؛ لأنها من شؤون الغيب التي لا طريق للعلم بها إلا الوحي.