استأثر به ونقله إلى الرفيق الأعلى، والمحلِّ الأسنى؛ وقد ترك أمته على المحجّة البيضاء، والطريق (^١) الواضحة الغرّاء. فصلَّى الله وملائكته وأنبياؤه ورسله والصالحون من عباده عليه وآله كما وحَّد الله، وعرَّف به، ودعا إليه؛ وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد، فإنَّ أولى ما تنافس فيه (^٢) المتنافسون، وأَجْرَى (^٣) في حَلْبة سباقه المتسابقون: ما كان بسعادة العبد في معاشه ومعاده كفيلًا، وعلى طريق هذه السعادة دليلًا. وذلك العلم النافع والعمل الصالح اللذان (^٤) لا سعادة للعبد إلا بهما، ولا نجاة له إلا بالتعلُّق بسببهما. فمن رُزِقهما فقد فاز وغَنِم، ومن حُرِمهما فالخيرَ كلَّه حُرِم. وهما مورد انقسام العباد إلى مرحوم ومحروم، وبهما يتميز البرُّ من الفاجر، والتقيُّ من الغوي، والظالمُ من المظلوم. [٣/أ] ولما كان العلم للعمل قرينًا وشافعًا، وشرفه لشرف معلومه تابعًا، كان أشرف العلوم على الإطلاق علم التوحيد، وأنفعها علم أحكام