Aclam Fikr Islam dalam Zaman Moden
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Genre-genre
ودفن بقرافة المجاورين في زاوية الأستاذ الحفني جنب أبيه وجده، ورثاه كثير من الشعراء جمعت مراثيهم في رسالة ألفها الشيخ عثمان الموصلي نزيل القاهرة، وسماها «المراثي الموصلية في العلماء المصرية»؛ لأنه أضاف إليها ما رثي به الشيخ عبد الرحمن الرافعي مفتي الإسكندرية، والشيخ سليم القلعاوي شيخ مسجد القلعة، والشيخ محمد المغربي، وكلهم توفوا في هذه السنة أيضا.
وكان المترجم رحمه الله ربعة، أقرب إلى الطول، مليح الوجه، منور الشيبة، معتدل القامة، ذا هيبة ووقار، مات عن ثروة طائلة، وولدين هما: الشيخ عبد الخالق المهدي، والشيخ أمين، ماتا بعده واحدا تلو آخر، ولم يؤلف رحمه الله سوى مجموع فتاواه الذي سماه «الفتاوى المهدية في الوقائع المصرية» طبع بمصر سنة 1301ه في ثمانية أجزاء كبار، وعاش في عزة وتبجيل مدة حياته، وتولى الإفتاء أربعين سنة من سنة 1264ه إلى سنة 1304ه لم يعزل فيها، فلم تحفظ عليه بادرة خطأ أو مخالفة للشرع؛ وسبب ذلك أنه تولاه وهو صغير ، والعيون شاخصة إليه، فكان لا يفتي فتوى إلا بعد المراجعة والتدقيق والتعب الكثير، فحصلت له بذلك ملكة فيه، حتى صار معدوم النظير لا يجاريه مجار في هذا المضمار، وأضيف إلى ما كان عليه من التقوى والتشدد في أمر الدين، حتى كانت مواقفه أمام الولاة لا تزيده إلا رفعة في عيونهم؛ لعلمهم أنه لا يريد إلا نصرة الحق، فأحبوه وأغدقوا عليه بالإنعام.
ومن مواقفه غير ما ذكرناه أن الخديو إسماعيل أراد مرة أن يستولي على الأوقاف الأهلية ويعوض عنها أهلها ما يقوم بمعاشهم، فاستفتاه في ذلك، فتوقف، وأفتاه بعضهم بالجواز، فتكدر منه، وجمع بينه وبين مخالفيه، فناظرهم وفاز عليهم بعدما ألفوا رسائل في الحادثة وأكثروا من الجلبة.
ولم يقتصر الولاة على مشاورته في الأمور الدينية المختصة بمنصبه، بل كانوا يستشيرونه في غيرها من معضلات الأمور؛ لما عرفوه فيه من سعة المدارك وجودة الرأي، حتى إن إسماعيل لما عزل عن مصر قال لولده توفيق فيما أوصاه به: احتفظ يا بني بالشيخ المهدي؛ فإنه رجل لا نظير له.
وبالجملة فمحاسن المترجم كثيرة، ولم يكن فيه ما يشينه سوى ما كان يرميه به بعض شانئيه من الإمساك والتقتير، ويضعون عليه النوادر الخارجة عن حد المعقول، والمعروف عنه للقاصي والداني أن داره كانت مفتوحة للصادر والوارد لا تخلو مائدته يوما عنهم، وحسبنا أنه كان يخرج زكاة أمواله كل سنة ويفرقها على المستحقين، رحمه الله رحمة واسعة وأكثر في الأمة من أمثاله، وكان حائزا لكسوة التشريف من الدرجة الأولى، ومنح الوسام العثماني الأول في 21 صفر سنة 1310ه هو وشيخ الأزهر الشيخ محمد الإنبابي وقاضي القضاة جمال الدين أفندي؛ وسبب ذلك أن السيد توفيق البكري نقيب الأشراف سافر في هذه السنة إلى دار السلطنة، وتوصل بمساعدة الشيخ أبي الهدى الصيادي إلى مقابلة السلطان عبد الحميد، فأنعم عليه بهذا الوسام وبرتبة قضاء عسكر الأناضول، فلما بلغ ذلك مسامع الخديو أحب ألا يكون نقيب الأشراف ممتازا عن كبار الشيوخ، وأرسل إلى السلطان ملتمسا الإنعام على المفتي وشيخ الأزهر برتبة قضاء عسكر الأناضول، وعلى القاضي برتبة قضاء عسكر الرومالي؛ لأنه كان حائزا لرتبة الأناضول، لكن طلبه لم يصادف قبولا.
وأحيل إلى المترجم قديما أمر انتقاء القضاة الشرعيين والمفتين الذين يقامون في ولايات القطر ومراكزه، فكان يختار ذوي الكفايات، ويتحرى فيهم النجابة والذكاء والديانة، ويحامي عنهم لدى الحكام ويشد أزرهم، فنال بذلك مقاما لدى أهل العلم المرشحين لهذه المناصب، ووجهوا وجوههم شطر داره، وهو مع ذلك لا يميل مع الهوى في تنصيبهم، ولو كان ممن يمد اليد لجمع من هذا الوجه شيئا كثيرا، ثم رأت الحكومة أن يكون أمر تنصيبهم منوطا بلجنة تؤلف بنظارة الحقانية برياسة وكيلها إذ ذاك بطرس غالي باشا، وعرضوا على المترجم أن يكون من أعضاء تلك اللجنة فأبى.
وكان له في المحاماة عن أهل الأزهر ومساعدتهم القدح المعلى، وتروى عنه مواقف في ذلك، منها أن الشيخ مصطفى الغروسي مدة توليه على الأزهر استصدر من الخديو إسماعيل أمرا بنفي الشيخ حسن العدوي إلى إسنا، وكاد ينفذ فيه، لولا أنه استغاث بالمترجم، فقام بناصره، وذهب للخديو مستشفعا ولج وألح حتى عفي عن الشيخ.
أحمد أبو الفرج الدمنهوري
1243-1310ه
هو الشيخ أحمد أبو الفرج الدمنهوري الشاعر الأديب، ظريف الجملة والتفصيل، حلو النادرة والفكاهة، انجذبت إليه النفوس وألفته القلوب على دمامته وغرابة شكله، ولد بدمنهور ونشأ بها في ضنك ورقة حال، ولم يكن مشتغلا بالأدب في أول أمره، ثم لازم الشيخ محمد الوكيل القباني أحد أدباء دمنهور المشهورين، وعليه تخرج في النظم، وصحب أيضا الشيخ حميدة الدفراوي، وهو أديب لكنه لا يبلغ درجة الوكيل، ولم يحضر المترجم العلم على شيخ، بل كان يلازم مجلس الوكيل ولا يفارقه ليلا ولا نهارا، فيكتب عنه كل ما يسمعه من شعر ونثر ونادرة ثم يستظهره. أخبرني ثقة: أنه اجتمع به بدمنهور حوالي سنة 1265ه فرآه شابا نيف على العشرين، مخفوض الجانب، كثير التواضع، لا يستنكف من خدمة الوكيل المذكور وحمل المصباح أمامه إذا سار ليلا، ثم نظر المترجم في كتب الأدب ودواوين الفحول، وبدأ ينظم الشعر، فكان يعبث بالبيت والبيتين، ثم نظم بعد ذلك القصائد والمقطعات، إلا أنه كان قليل الإجادة، كثير الخطأ واللحن، يتكلف التجنيس والتورية. وأحسن شعره ما نظمه في المجون وضمنه ألفاظ العيارين والشطار. وكان حضوره إلى القاهرة صحبة الوكيل، فأوصله إلى السيد عبد الخالق بن وفا شيخ السادات الوفائية، فأعجب بظرفه ومجونه، وكان ينزل عنده كلما حضر إلى القاهرة، وهي إذ ذاك غاصة بالأدباء والأعيان، وفي الناس بقية، فكانوا يهشون به ويتهادونه إذا حضر، ويراسلونه إذا غاب، فحسنت حاله قليلا بما كان يناله من هباتهم، ثم اتصل بشاهين باشا كنج في طنطا لما كان مفتشا على الأقاليم سنة 1293ه فانتظم في حلبة ندمائه واختص به وواساه وجعله طرفة مجلسه، وجمع له من أغنياء البلاد مبلغا وافرا اشترى به عقارا ورمم داره بدمنهور، واجتمع عند شاهين باشا بعبد الله أفندي نديم الشهير وغيره من خاصة أهل الفضل والأدب، ثم نقل شاهين باشا إلى منصب آخر بالقاهرة، فصار المترجم يتردد عليه ويقيم عنده الأيام والأشهر، يجتمع في أثنائها بغيره من الكبراء وذوي الوجاهة فيهدي إليهم مدائحه ويتحفهم بطرائفه.
Halaman tidak diketahui