Aclam Fikr Islam dalam Zaman Moden
أعلام الفكر الإسلامي في العصر الحديث
Genre-genre
وأول ما نشر على الناس من آثاره هو ما كتبه في جريدة «الأهرام» لبداية نشأتها سنة 1293ه/1876م وهي فصول سامية المنزع مشتملة على أصول الدعوة الإصلاحية التي صرف حياته في سبيلها، وقد استرعت تلك الفصول نظر الناس إلى ذلك الفتى الناهض إلى السابعة والعشرين من عمره نهضة المصلحين الكبار عاقلا جريئا.
وفي سنة 1294ه/1877م نال الشيخ محمد عبده الشهادة العالمية الأزهرية من الدرجة الثانية وهو ابن ثمان وعشرين سنة.
وأخذ يدرس كتب المنطق والكلام المشوب بالفلسفة في الجامع الأزهر، ويدرس في داره لبعض المجاورين كتاب «تهذيب الأخلاق» لابن مسكويه، وكتاب التحفة الأدبية في تاريخ تمدن الممالك الأوروبية، تأليف الوزير فرانسوجيزو، وتعريب الخواجة نعمة الله الخوري.
وفي أواخر سنة 1295ه/1879م نفي من مصر بمساعي الإنجليز السيد جمال الدين الأفغاني الذي كان عمله السياسي شجى في حلق ممثل إنجلترا بمقدار ما كان تجديده لدرس الفلسفيات غيظا للجامدين من أهل الأزهر، وعزل الشيخ محمد عبده من مدرسة دار العلوم ومدرسة الألسن، وأمر بأن يقيم في قريته «محلة نصر» لا يفارقها أبدا إلى بلد آخر.
في أوائل حكم الخديو توفيق حصلت هذه الحادثة، وكان الوزير الكبير رياض «باشا» خارج القطر، وهو الذي قد زين للسيد جمال الدين المقام في مصر، وأمده بالمعونة ليستعين بها على تربية شباب مصلح، وإذا كان الوزير الكبير قد عجز عن رد ما فات من نفي السيد الأفغاني، فما كان ليفوته أن ينتفع بتلاميذه، وما كان ليترك خليفة السيد جمال الدين منفيا في قرية من قرى البحيرة محرما عليه أن يخرج منها، فاستصدر له عفوا من الخديو سنة 1297ه/1880م، وعينه محررا في الجريدة الرسمية ثم جعله في آخر السنة رئيس تحريرها.
ولقد نهض الشيخ محمد عبده بحركة إصلاح هيأت له مساعدة رياض وسائلها، وأعانه عليها خيرة تلاميذ السيد جمال الدين الذين كانوا يشتغلون معه في تحرير الجريدة الرسمية، إلا أن صلة الأستاذ بالأزهر قد انقطعت يومئذ، فلم يعد معلما يريد أن يصلح طرق التعليم فيه، ويرشد أهله إلى العلوم الجديدة، ولكنه أصبح صحافيا يحاول الإصلاح الاجتماعي والسياسي على مبادئ الحرية والعدالة والشورى.
ألم الشيخ رئيس تحرير الجريدة الرسمية «الوقائع المصرية» في فصوله الكبيرة الفائدة القوية الروح بوجوه الإصلاح التي كانت تنبعث عزيمته إليها، فدعا إلى التعاون على الخير، وحبذ فكرة الحرية ورفع المظالم عن الأهالي، وعاب على الشعب كله، ونادى بإصلاح التعليم والتربية في المدارس، وحمل على الرشوة وأهلها، وبين أن الحق للقانون لا للقوة، وذم إسراف الأهالي وتمسكهم بظواهر المدنية مع الغفلة عن وسائل المدنية الصحيحة، وعالج إصلاح منتدياتنا وإصلاح بيوتنا، وذكر رأيه في خطأ العقلاء الذين يريدون الرقي طفرة ووثوبا.
ثم تعرض الأستاذ لنوع من الإصلاح الديني، شغف به في أدوار حياته الإصلاحية كلها ذلك هو تطهير الإسلام من البدع التي شوهت شعائره وجنت عليه، وهذه المقالات تجمع مبادئه الوطنية، ومذاهبه في الحرية، وطريقه في الإصلاح.
كان الشيخ وطنيا يرى أن خير أوجه الإصلاح للوطن هو تحقيق وحدته ليمتنع الخلاف والنزاع فيه، على أنه نصير للمبادئ التي تدعو إلى المحافظة العامة على دعائم السلام والإخاء بين الناس، وهو داع إلى الحرية، حرية العمل، ورفع سوط القسوة غير القانونية، بحيث لا يسخر أحد في عمل من الأعمال إلا فيما يعود بالمنفعة العامة على البلاد، أما سبيل الأستاذ في الإصلاح، فهي سبيل التدريج، يريد أن يحفظ للأمة عوائدها الكلية المقررة في عقول أفرادها، ثم يطلب بعض تحسينات فيها لا تبعد عنها بالمرة، فإذا اعتادوها طلب منهم ما هو أرقى بالتدريج، حتى لا يمضي زمن طويل إلا وقد انخلعوا عن عاداتهم وأفكارهم المنحطة إلى ما هو أرقى من حيث لا يشعرون.
وتأثر الشيخ بمبادئ أستاذه، ومع ذلك كان لمذاهبه الإصلاحية استقلال يجعل لها شخصية وحدها، ولقد كان حين توليه تحرير الجريدة حديث عهد بصحبة أستاذه، حديث عهد بالتخرج على يديه، وكانت له على هذا سبيل في الإصلاح ليست من كل وجه سبيل السيد جمال الدين؛ إذ كان السيد مشتعل الحماسة، يريد أن يلهب النفوس فيؤجج نارها، ثم يصوغ من ضعفها قوة، ومن ذلها عزا؛ كان يرى أن الثورات هي سبيل الإصلاح الاجتماعي والسياسي، أما الشيخ محمد عبده أيام تحرير الجريدة الرسمية فكان معلما مصلحا يطلب الأناة في دفع الأمم إلى الرقي، ليعلمها ويهذبها أولا، ثم يسوقها برفق إلى ما علمت.
Halaman tidak diketahui