Nombor dan Pembinaan Manusia: Pengiraan dan Laluan Tamadun Manusia
الأعداد وبناء الإنسان: العد ومسار الحضارات الإنسانية
Genre-genre
إن مناقشة الدور الذي تؤديه الأعداد في تشكيل إدراكنا للوقت، توضح لنا ما للأعداد والاختلافات بين الأنظمة العددية من تأثير فعال في الجانب الإدراكي والسلوكي في حيواتنا. بالرغم من ذلك، فسوف نرى على مدار هذا الكتاب أن اختراع الأعداد قد أثر في حياتنا، وفي قصة البشرية بصفة عامة، بالعديد من الطرق الأخرى التي لا تقل عن ذلك عمقا وأهمية. وقبل أن نتحدث عن هذه الطرق، يجدر بنا أن نعرض خلفية عن نوعنا البشري، وهي أساسية في قصة الأعداد التي يرويها هذا الكتاب، ووثيقة الصلة بها.
الإنسان العاقل: ذلك النوع الحديث
تفيدنا قدرتنا على قياس الوقت عند مناقشة الأصول الحديثة لنوع «الإنسان العاقل». فالأعداد تساعدنا في تصوير مدى حداثة نوعنا؛ فعمر الكون 13,7 مليارا من الأعوام، وعمر الأرض 4,5 مليارات عام، وعمر حقيقيات النوى 3 مليارات عام تقريبا. أما ظهور الرئيسات فقد حدث قبل 65 مليون عام تقريبا. ويشير سجل الحفريات إلى أن أشباه البشر، ومنهم أسلاف البشر، لم يعيشوا إلا لقرابة عشر ذلك الوقت. ويدور قدر كبير من الجدل بشأن تاريخ ظهورنا نحن - البشر المعاصرين - لكننا قد ظهرنا منذ 100000 عام على الأقل. وإذا قبلنا بهذا الرقم الأخير فهذا يعني أننا لم نوجد إلا لعام واحد مقابل كل 130000 عام من عمر الكون. وتلك من السمات التي غالبا ما نغفل عنها بشأن البشر، وهي أننا صغار للغاية. وبالرغم من ذلك فعلى حداثتنا في السن، قد شكلنا بطرق عدة هذا الكوكب الذي لم نعش عليه إلا لفترة صغيرة للغاية من تاريخ وجوده، في بضعة آلاف من الأعوام الماضية فحسب. وسوف نرى أن الأعداد تمثل جزءا كبيرا من كيفية حدوث ذلك، والسبب في حدوثه.
5
توضح البيانات المستفيضة أن نوع «الإنسان العاقل» وسلفه، قد تطور في أفريقيا، وقد بدأت العناصر الأساسية لخصائصنا الجسدية الحالية، تتشكل هناك؛ كالسير على قدمين الذي ظهر بوضوح لأول مرة في الأسترالوبيثسينات، التي ظهرت آثار أقدامها التي تعود إلى 3,7 مليون عام في الرماد البركاني في لايتولي، بتنزانيا. وكذلك ظهرت الأدمغة الأكبر حجما في بعض الأنواع مثل نوع «الإنسان المنتصب» (منذ 18 مليون عام تقريبا)، ونوع «إنسان هايدلبيرج» (منذ ما يزيد عن نصف مليون عام)، وهو النوع الذي تمكن من استكشاف قارات بخلاف أفريقيا، غير أن سجلاته المادية لا تدل على حدوث أي قفزة إدراكية إلى الأمام، مثلما هي الحال في نوع «الإنسان العاقل». وهذه النقطة الأخيرة تشير إلى أمر غاية في الأهمية، وهي أن أسلاف البشر كانوا يتمتعون بدماغ كبير نسبيا، وإن كان لا يزال أصغر من دماغنا، قبل أن نظهر على المشهد بفترة طويلة. وبالرغم من هذه الأدمغة الكبيرة، فإن سلوك أقرب الأسلاف إلينا لم يكن لافتا للنظر عند مقارنته بسلوك غيره من القردة العليا. لم يكن يحمل سوى قدر ضئيل من التشابه مع سلوك البشر المعاصرين، وكذلك سلوك «إنسان النياندرتال»، وهو النوع الشقيق لنوعنا، الذي عاش في أوروبا قبل نصف مليون عام تقريبا، إلى أن انقرض على نحو متسارع نتيجة وصولنا على تلك القارة فيما يبدو.
6
إذن، فيمكننا أن نصف نشوء نوعنا بأنه تغيير جذري حديث، ومن المؤكد أن سلالتنا قد ظلت تتطور على مدار الملايين من الأعوام؛ مما جعلنا على ما نحن عليه اليوم من الناحية الفسيولوجية، غير أن أسلافنا قد عاشوا في معظم هذا الوقت حياة قاسية وقصيرة، وقد كانوا في معظم الأحوال فرائس لغيرهم من الأنواع الأفريقية الأكبر حجما. إننا لم ننجح دائما في التغلب على الأنواع الأخرى في المنافسة بالدرجة التي ننجح بها الآن. وقد تحدثت مؤخرا مع زميل في مجال علم الإنسان، وهو أيضا عالم في الحفريات والآثار، يدرس حفريات العديد من أنواع أشباه البشر في أفريقيا. وقد ذكر أن واحدة من أبرز السمات في هذه الحفريات هي ما تدل عليه من عنف؛ فالعديد منها يحتوي على تمزقات وكسور عظمية، وكثيرا ما تحمل آثار أسنان المفترسات أو نابشات الفضلات، وكثيرا ما توجد هذه الحفريات في مخابئ المفترسات كالأسود، ومعظمها لأطفال وشباب. ومن المحزن أن هذه الأدلة تشير إلى أن العديد من أسلافنا قد عاشوا حياة صعبة وقصيرة، وكانوا يواجهون فيها صعوبة في التنافس مع الكائنات المفترسة المحيطة بهم.
ويمكننا القول بأن قدرا كبيرا من هذه الصعوبة التي كانوا يواجهونها قد جاء نتيجة للجمود الواضح في قدراتهم الإدراكية، ويتضح هذا الجمود في الاختراعات المادية التدريجية التي تظهر في سجل الحفريات على مدار العديد من ملايين السنين؛ فلننظر إلى الفأس اليدوية الحجرية، التي يشير إليها العلماء في مجال علم الإنسان باسم الفأس الأشولية، والتي ابتكرها نوع «الإنسان الماهر» قبل ما يقرب من 1,75 مليون عام. فهذه الفأس المحمولة التي تتميز بفائدتها العملية البارزة، قد كانت أداة مهمة للغاية لأسلافنا، غير أنها بسيطة للغاية مقارنة بالقوس والسهم. وقد اعتمد أشباه البشر عليها وحدها تقريبا على مدار 15 مليون عام. فمع السير على الأقدام، والأدمغة الكبيرة نسبيا، والأدوات البسيطة، يبدو أن أسلافنا قد كانوا على منصة الانطلاق إلى الحداثة، منذ مئات الآلاف من السنوات، غير أن هذا الانطلاق قد فشل إلى أن جاء ما أشعل جذوته حديثا.
بعد المعارك التي كان يخوضها أسلافنا من أجل البقاء في العصر الحجري القديم، اتخذت الأمور منحنى حادا إلى الأفضل. (استمر العصر الحجري القديم من نحو 2,5 مليون عام، إلى نحو 10000 عام مضت.) وفي مرحلة ما خلال مائتي ألف عام ماضية، قبل مائة ألف عام على الأرجح وفقا للسجل الأثري، حدث ما يبدو أنه تغير جذري في تفكير أسلافنا. ويتضح هذا التغير الإدراكي في الأدوات العظمية المعقدة المصقولة، والتي اكتشفت في كهف بلومبوس في جنوب أفريقيا على سبيل المثال، إضافة إلى غيرها من الأدوات التي اكتشفت في ذلك الكهف وغيره من الكهوف، وهو ما سنتناوله بقدر أكبر من التفصيل في الفصل العاشر. وبعد اختراع هذه الأدوات بفترة قصيرة، بدأ البشر في مغادرة أفريقيا بهمة. وتوضح التحليلات الجينية للبشر الذين يعيشون في العصر الحالي أن الشعوب الحديثة غير الأفريقية، هي أحفاد مجموعة صغيرة من نوع «الإنسان العاقل» الذين قد أخذتهم هجرتهم من أفريقيا على الأرجح عبر البحر الأحمر عند مضيق باب المندب.
7
Halaman tidak diketahui