ثم ختم هذا الكتاب، وعهد إلى ميشيل أن يذهب به إلى إدارة البريد، وبعد ساعة ركب مع خادمه مركبة أوصلتهما إلى نيفرس، فركبا القطار البخاري الموصل إلى مرسيليا، فبلغا إليها بعد يومين، وسافرا منها إلى إيطاليا.
وبينما كان مدير المستشفى، يقرأ كتاب البارون كانت البارونة تقرأ أيضا كتابا وصل إليها بواسطة ذلك الطبيب، الذي كان متفقا مع باكيتا، وهذا ما جاء في الكتاب الذي كانت تقرؤه:
سيدتي الوالدة الكملية الاحترام
لم يبق لك أقل رجاء بمحاكمة هذا الشقي الذي سلبك أموالك؛ إذ ليس لدينا برهان على جريمته ، وقد جعلك مجنونة في عرف جميع الناس، ولكني عولت مع أصحابي على اختطافك من المستشفى، وسأشتغل وأعيش وإياك من كسب يدي أهنأ عيش، فإني ولدك الذي طالما بكيته والذي لم يجد إلى الآن اسما يسمى به فلقب بالسيئ البخت.
فكان فرح الكونتيس عظيما بهذا الكتاب، وأقامت تنتظر الليل بفارغ الصبر، وفي المساء تغيرت الممرضة التي كانت تخدمها، ودخلت عليها فتاة حسناء لم تكن رأتها من قبل في المستشفى، أما تلك الفتاة فإنها هجمت عليها، وجعلت تعانقها وتقول: ألم تعرفيني؟ ألم تذكريني؟ فذكرتها الكونتيس وقالت لها: أما أنت التي جاءتني عندما ...
قالت: نعم، أنا التي أتيت إليك في فرساي، وقلت لك: إن ابنك لا يزال في قيد الحياة.
وكانت هذه الفتاة باكيتا، فوضعت سبابتها على فمها، وقالت لها: صبرا يا سيدتي، فقد احتلت حتى دخلت المستشفى بصفة ممرضة، والمفاتيح معي، وسنهرب في هذه الليلة إذ يوجد مركبة تنتظرنا على بعد خطوات من الباب الأكبر، فأجابتها بصوت يرتجف قائلة: أيكون ولدي فيها؟ قالت: نعم.
فضمتها إلى صدرها وقالت لها: بارك الله فيك! فستكونين ابنتي ...
مرت الأيام وتوالت الشهور، ففي صباح يوم من أيام مايو الجميلة في باريس، خرجت باكيتا الحسناء من منزلها عند الساعة السابعة وهي بملابس الربيع، وكانت المركبة تنتظرها عند الباب وفيها كوكليش وامرأته، وقد تبنيا باكيتا وكانت تدعوهما بأبويها، فصعدت إلى المركبة بتلك الرشاقة التي تعلمتها من الألعاب الرياضية، ساق الحوذي الجياد، فالتفتت امرأة كوكليش إلى زوجها وقالت له: من كان يظن منذ عشرة أعوام أننا نصل إلى ما نحن فيه؟ فقال لها زوجها: لقد أصبت، فإن هذه النعمة لم تكن تخطر لنا في الحلم.
قالت: إننا عائشان الآن كأرباب الدخل الثابت، والمجد التالد، نركب المركبات كأغنى الأغنياء، ولا تخلو جيوبنا ساعة من المال، وكل ذلك بفضل باكيتا.
Halaman tidak diketahui