Abu Syuhada Husayn Ibn Ali
أبو الشهداء الحسين بن علي
Genre-genre
بل يجوز أن يقال - مما ظهر في حركة الحسين كل الظهور - إن الشام نفسها لم تنطو على رجل يؤمن بحق يزيد وبطلان دعوى الحسين. فقد كانوا يتحرجون من حرب الحسين، ويتسلل من استطاع منهم التسلل قبل لقائه، إلا أن يهدد بقطع الأرزاق وقطع الرقاب.
والحوادث التي تلت حركة الحسين إلى ختام عهد يزيد أدل مما تقدم على اضطراب عهده وقلة ضمانه؛ لأن الأحداث والنذر لم تزل تتوالى بقية حياته وبعد موته بسنين.
ونحن اليوم نعلم من التاريخ كيف انتهت هذه الحوادث والنذر في عهد يزيد أو بعد عهده، فيخيل إلينا أن عواقبها لم تكن تحتمل الشك ولم يكن بها من خفاء، ولكن الذين استقبلوها كانوا خلقاء ألا يروا فيها طوالع ملك تعنو له الرءوس ويرجى له طول البقاء.
بواعث الخروج
نعم، كانت هناك ندحة عن الخروج لو كان يزيد في الخلافة رضى المسلمين من العقل والخلق وسلامة التدبير وعزة الموئل والدولة، وكان المسلمون قد توافوا على اختياره لحبهم إياه، وتعظيمهم لعقله وخلقه، واطمئنانهم إلى سياسته، واعتمادهم على صلاحه وإصلاحه.
ولكنه على نقيض ذلك، كان كما علمنا رجلا هازلا في أحوج الدول إلى الجد، لا يرجى له صلاح ولا يرجى منه إصلاح. وكان اختياره لولاية العهد مساومة مكشوفة، قبض كل مساهم فيها ثمن رضاه ومعونته جهرة وعلانية من المال أو الولاية أو المصانعة، ولو قبضوا مثل هذا الثمن ليبايعوا وليا للعهد شرا من يزيد لما همهم أن يبايعوه وإن تعطلت حدود الدين وتقوضت معالم الأخلاق.
وأعجب شيء أن يطلب إلى الحسين بن علي أن يبايع مثل هذا الرجل ويزكيه أمام المسلمين، ويشهد له عندهم أنه نعم الخليفة المأمول، صاحب الحق في الخلافة وصاحب القدرة عليه. ولا مناص للحسين من خصلتين: هذه، أو الخروج! لأنهم لن يتركوه بمعزل عن الأمر لا له ولا عليه. •••
إن بعض المؤرخين من المستشرقين وضعاف الفهم من الشرقيين ينسون هذه الحقيقة ولا يولونها نصيبها من الرجحان في كف الميزان.
وكان خليقا بهؤلاء أن يذكروا أن مسألة العقيدة الدينية في نفس الحسين لم تكن مسألة مزاج أو مساومة، وأنه كان رجلا يؤمن أقوى الإيمان بأحكام الإسلام، ويعتقد أشد الاعتقاد أن تعطيل حدود الدين هو أكبر بلاء يحيق به وبأهله وبالأمة العربية قاطبة في حاضرها ومصيرها؛ لأنه مسلم ولأنه سبط محمد، فمن كان إسلامه هداية نفس فالإسلام عند الحسين هداية نفس وشرف بيت.
وقد لبث بنو أمية بعد مصرعه ستين سنة يسبونه ويسبون أباه على المنابر، ولم يجسر أحد منهم قط على المساس بورعه وتقواه ورعايته لأحكام الدين في أصغر صغيرة يباشرها المرء سرا أو علانية، وحاولوا أن يعيبوه بشيء غير خروجه على دولتهم فقصرت ألسنتهم وألسنة الصنائع والأجراء دون ذلك. فكيف يواجه مثل هذا الرجل خطرا على الدين في رأس الدولة وعرش الخلافة مواجهة الهوادة والمشايعة والتأمين؟ وكيف يسام أن يرشح للإمامة من لا شفاعة له ولا كفاية فيه إلا أنه ابن أبيه؟
Halaman tidak diketahui