Abu Nuwas
أبو نواس: الحسن بن هانئ
Genre-genre
ولا شك أن ولاءه لقوم من اليمانية غير مكذوب من أساسه، ولكنه ولاء العبد الذي تدرج من الفخر بسادته إلى ادعاء ولائهم ثم ادعاء نسبهم، وليس من المصادفات أن يكون اسم أبيه هانئا كاسم بطل اليمن المشهور في حرب ذي قار «هانئ بن مسعود بن بكر»، وقائد قومه في النصر على جيش الأكاسرة، وليس من المصادفات أن يسمى أخوه أبا معاذ على اسم معاذ بن جبل الخزرجي الذي كان من اليمن، وكان رسول النبي - عليه السلام - إلى اليمن وقاضيها المختار لهدايتها وإرشادها، وكذلك جاءت نسبة أبي نواس إلى الذوين من اليمانيين، بل كذلك اختار أبو نواس جميع أساتذته أو أكثرهم من اليمانية وأصحاب الولاء فيهم، منهم يعقوب الحضرمي وخلف الأحمر وأبو زيد الأنصاري وغيرهم من المنتمين إلى اليمن بالنسب أو بالولاء.
فليس هذا مما يتفق بالمصادفة، ولكن صاحبنا علم أصل ولائه، ونما وترعرع وهو يستمع إلى الأسماء اليمانية في بيته، فأراد أن يغرس عقيدته في الانتساب إلى اليمانية بالإيحاء إلى نفسه، والتماس القربى لكل لاهج مثله بهذه النسبة، ومكنها بهجو النزارية عسى أن يقبله القحطانيون، فيتمكن بينهم بالإغضاء والسكوت إن لم يتمكن بينهم بلحمة الآباء والأجداد.
وأصل هذه الدعوى كلها على ما هو ظاهر أن هانئا آباه كان من زنج اليمن أقرب بلاد العرب إلى جلب الزنج من طريق البحر الأحمر، ولم يختلط قومه طويلا بغير الزنج، فلم يفارق أباه سواد لونه، وتزوجت أخته من عبد يسمى فرجا القصار، وولد الشاعر أبيض بلون أمه، فاختار من النسب أقربه إليه، ولم يخترع إلا وهو مستعد للإنكار وتشديد النكير على من ينكر دعواه، وبخاصة حين يجد من طبعه نزوعا إلى تشديد النكير للتحدي والإثارة.
والحسن الصغير - على هذا - قد أخذ من بيته النرجسية مولودا، وأخذها وهو يتربى مدللا مهملا محروما من الرعاية الرشيدة، وأخذها من مشاهداته فيه، وهو يخطو إلى الفهم ويظن أنه يتعقل ما يراه، فليس أعون على الإباحية النرجسية من مشاهدة الرياء حاسرا بغير قناع في حظائر الأسرار بين جدران البيت. وخليق بمن طبع على العبث بالعرف ألا يكترث له، وهو يرى المساتير من الرجال والنساء أمام الناس بادين على حقيقتهم في خلوات الفجور والمجون!
بيئة المجتمع
وتطبق البلية من بيئة المجتمع حيث فتح الحسن عينيه على الدنيا العريضة من مدينة البصرة فرضة العالم كله في ذلك الزمان.
فالبصرة في موقعها مثابة الطلاب والقصاد من كل بلد وكل نحلة، وفيها محاسن الحاضرة ومساوئها مبذولة لمن يشاء كيف شاء، وكل مصيب فيها بغية من العلم والأدب أو من الكسب والتجارة، أو من اللهو والغواية أو من الثورة على الدولة والولاء لها في ذلك الزمن المريج المتقلب بين شتى الدعوات والغارات.
وكان من حولها قطاع الطريق يتربصون بالقوافل برا وبحرا، وينهبون من استطاعوا نهبه، ثم ينفقون السلب على الخمر والقمار والدعارة في الحاضرة الكبيرة، ولا يزالون بين اجتراء واختفاء كلما أنسوا غرة من الدولة وشاغلا من حفاظ الأمن، أو أحسوا لها شدة ويقظة في تعقب الشطار والخراب.
وكان عصر أبي نواس أول عهد البصرة بالبوهيمية المتشردة المتهجمة، كما عرفتها مدن الحضارة حيث شاعت وفشت في أدوار القلاقل والمنازعات، ففي ذلك العصر أخذ «البوهيميون» يفدون من مواطنهم الآسيوية الهندية، ويزحفون إلى الغرب جموعا أو متفرقين، بل جيوشا أو عصابات على حسب المكان الذي يغيرون عليه.
هؤلاء هم الزط أو النور أو البوهيميون بعاداتهم وأساليبهم، التي تجمع بين غارات الفتك والعدوان، وغارات الغواية والمتاع المبذول، حيث يستطاع الفتك أو يروج المتاع.
Halaman tidak diketahui