Abu Nuwas
أبو نواس: الحسن بن هانئ
Genre-genre
ك بين المرد جاهي
ومهما يكن من تبذله فلم تكن مسألة التبذل عنده علما بهوانه ورضاء بهذا الهوان، ويأسا من دفعه بالصيانة والمداراة، إذ كان معروفا عنه أنه كان يتعمد أن يلقى ذوي الوجاهة والرئاسة بالتيه والكبرياء، وكان يذكر ذلك في شعره، فيقول في غير موضع:
لقد زادني تيها على الناس أنني
أراني أغناهم وإن كنت ذا فقر
وإنما كانت مسألة التبذل عنده مسألة ظهور متعمد، واستخفافا برأي الناس؛ لأنه يريد أن يلقي في روعهم أنهم أهون لديه من أن يتستر لهم، وأن ينزل عن لذة من لذاته لمرضاتهم، وأنهم من هوانهم عليه يتحداهم، ويطلب مذمتهم ويؤثرها على ثنائهم.
والواقع أن الإغاظة والظهور هما بيت القصيد، وأن صاحب المزاج قد يهمه أن يغيظ جمهرة الناس بالمخالفة، وإن كانت مخالفة إلى التقوى والصلاح؛ لأن «الظهور» وإثارة الشعور هما الهوى الغالب عليه.
ولو كانت الإباحية النواسية مقصورة على ما اشتهر به أبو نواس من إدمان السكر، وإيثار الذكران على الإناث، لما فسرتها ولا فسرت شيئا منها هذه الظاهرة النفسية الواضحة؛ ظاهرة التحدي بالإباحية المتهتكة، فإن صاحب الإباحية المقصورة على إدمان السكر، وإيثار الذكران على الإناث قد يخجل منها، ويسترها ويجتهد اجتهاده للخلاص منها، وقد ينتهي به الأمر إلى التهتك الذي وصفناه في الحالة الأولى، وهي حالة المهانة والاستكانة إليها.
وإنما تفسر آفات أبي نواس جميعا ظاهرة نفسية أخرى هي «النرجسية»، التي جعلناها عنوانا لهذا الفصل، وفيها تفسير لآفته الكبرى وتفسير للآفات الصغرى التي تتفرع على جوانبها.
هذه «النرجسية» شذوذ دقيق يؤدي إلى ضروب شتى من الشذوذ في غرائز الجنس وبواعث الأخلاق، ويلتبس الأمر من أجل هذا بين النرجسية، وتلك الضروب المختلفة من الشذوذات الجنسية، وهي مخالفة لها في دخيلها، مناقضة لبعضها في ميولها ونزعاتها، فقد تميل بصاحبها إلى العلاقة الطبيعية بين الذكر والأنثى، أو تميل إلى علاقة شاذة بين شخصين من جنس واحد، كما كان يحدث أحيانا من أبي نواس في غزله بالمذكر تارة وغزله بالمؤنث تارة أخرى، وفي الجمع أحيانا بين ما يزعمه عشقا لأكثر من فتاة واحدة، وما يزعمه عشقا لأكثر من فتى واحد، ولا أصل للعشيقين في نهاية المطاف غير النرجسية في قرارها العميق.
ما هي النرجسية؟
Halaman tidak diketahui