قال وهو يحك ذقنه: «كأنك تظنينها تكره ذلك، ولكنني عملا بأمرك قد عفوت عنها؛ لأنني أراها تحبك.»
فضحكت جلنار وقد انبسطت نفسها وخف ما بها، فلما رأت ريحانة سرور سيدتها شاركتها فيه، وشعرت بمقدار فضل الضحاك في كل ذلك، وقالت في نفسها: «لا بد لهذا الرجل المهذار من شأن، وإن أمره لعجيب!»
ثم التفتت ريحانة إلى سيدتها وقالت: «ألا تذهبين إلى الفراش يا مولاتي؟»
قالت: «نذهب.» ووقفت.
فوقف الضحاك وقال: «وأنا ذاهب، وربما لا أنام الليلة؛ فإذا طلبتماني في ساعة ولم تجداني فلا تحسباني فررت.»
قالت جلنار: «افعل ما بدا لك. إننا لا ننسى لك جميلا تبذله في سبيل راحتنا. إذا وفقنا إلى ما نريد كان لك ما ترضاه. انصرف إذا شئت.»
فخرج إلى المبيت في فسطاط الأعوان والحاشية. وكان الكرماني وابنه قد استأنسا به حين لاقاهما في غروب ذلك اليوم، وآنسا فيه خفة الروح، وطيبة الخلق، وخاصة علي بن الكرماني؛ فإنه ارتاح إلى رؤيته، واطمأنت نفسه إليه.
ولم تنقض تلك الليلة حتى علم أن رسول أبي مسلم مر بذلك المعسكر وقبضوا عليه، ورأى الكرماني في فسطاطه يتلو كتاب أبي مسلم ومعه ابناه علي وعثمان. وكانا لا يفارقان مجلسه، وهما عمدته في حروبه، وكان عثمان أصغر من علي. فلما تحقق الضحاك من نجاح تدبيره ذهب للنوم مع الخدم والأعوان، ولم يخاطبه أحد منهم إلا استخف روحه واستلطفه.
فلما التحم الجيشان في صباح الغد، وقف الضحاك يرصد حركاتهما، فلما رأى الكرماني قد قبل مصالحة نصر بن سيار، أسرع إلى معسكر نصر ملثما واستحث ابن الحارث أن يثأر لأبيه، فجاء وقتل الكرماني، كما تقدم.
الفصل الثاني والثلاثون
Halaman tidak diketahui