فقالت: «دعنا من المجون، وأخبرنا ما الذي فعلته، وأظنك لا تلتزم الجد إلا إذا حلفتك بمولاتنا الدهقانة؛ فبحياتها إلا تكلمت الجد.»
فلما سمع قولها وقف بين يدي جلنار متأدبا، فأشارت إليه أن يجلس، فجلس، فقالت له ريحانة: «قص علينا ما جري.»
فأخذ في سرد ما حدث منذ خروجه من غرفتها إلى أن لقي إبراهيم الخازن، وكيف احتال عليه وأخرجه من حجرته، وما دار بينهما، حتى انتهى إلى ما تم الاتفاق عليه بينهما، ولكنه لم يذكر ما قاله الخازن عن كره أبي مسلم للنساء؛ لعلمه أن هذا يسيء إلى جلنار ويوقعها في اليأس، وهو يريد أن ترجو الظفر به، على أنه أخبرها أن أبا مسلم لا يستطيع أحد من خاصته أن يخاطبه في أمر الزواج تهيبا، وإنما إذا لقيته وخاطبته، فلا ريب أن سيحبها ويتمنى الظفر بها، وخصوصا إذا أظهرت له غيرتها على الدعوة التي يقوم بتأييدها.
وكانت جلنار ترهف السمع لذلك الحديث، فلما بلغت إلى ختامه انقبضت نفسها؛ لأنها كانت ترجو أن تعرف شيئا عن شعور أبي مسلم نحوها، فسكتت وظهر الانقباض على وجهها، فأدركت ريحانة سبب انقباضها، فأرادت إنعاش أملها فقالت: «بورك فيك يا ضحاك، ما ألطف أسلوبك! فقد فعلت ما لا سبيل إلى سواه.»
فقال: «لا أحب التملق يا ريحانة، فإني لم أعمل شيئا، ولكنني مهدت السبيل للعمل، فإذا رأت مولاتي أن أعرض عليها رأيي فيما ينبغي أن تعمله فعلت.»
فقالت جلنار: «قل يا ضحاك.»
قال: «أولا، ينبغي أن ندبر وسيلة لتجتمعي بأبي مسلم ويدور بينكما الحديث.»
فاحمر وجه جلنار خجلا إذ تصورت نفسها في خلوة مع أبي مسلم، على حين أنها قد شبت ولم تخاطب من الرجال غير والدها وخدم قصرها، ثم تذكرت أنها لا تستطيع الوصول إلى تلك الجلسة إلا بالتزلف والتذلل والنزول عن عرش أنفتها وعزة نفسها، ثم هي فوق ذلك ستخالف إرادة والدها، فضلا عن تعرضها لغضبه إذا علم بذلك الاجتماع السري. فلما تصورت ذلك غلبت عليها عزة النفس فتراجعت وهي جالسة، وهزت رأسها ولسان حالها يقول: «لا، لا أفعل ذلك.»
ففهم الضحاك ما يدور ذهنها، فرفع حاجبيه وقلب شفته السفلى، ثم قال: «لا أنكر يا مولاتي أن ذهابك للاجتماع به لا يخلو من التنازل و...»
فخشيت ريحانة أن يذكر لها أصل أبي مسلم ومنشئه، فاعترضت حديثه قائلة: «لا أرى في ذلك ضعة ولا تنازلا؛ لأنها إذا ذهبت إليه أو خاطبته فإنها تخاطب أعظم رجل في خراسان، وهو قائد رجال الشيعة مع أنه شاب، وتحت أمره شيوخ من قواد الخراسانيين وأمرائهم. ويكفي أن الإمام اختاره لهذا المنصب العظيم، وإذا نظرت إلى وجهه وهيبته علمت أن المستقبل له لا محالة.»
Halaman tidak diketahui