يضاف إلى هذه جميعا أن حواشي الأوراق حافلة بألوان من الزيادة والإبدال والإصلاح، مما يدع الرأي مطمئنا إلى أن النسخة كانت في حياة المؤلف لا تزال بين يديه: يراجع فيها تسريح الناظر، وإجراء الخاطر، وإعمال القلم.
على أنه ربما يكون قد أجل معاودة الكتاب إلى فرصة لم تسنح، وأولاه مهلة اتصلت بانتقاله إلى جوار ربه. فإنه لما عرف بكتاب الفصول والغايات، في فصل «مؤلفاته»؛ اقتصر على بيان طريقته وموضوعه، فما أشار المؤلف إلى حصوله على مخطوطة الجزء الأول من هذا الكتاب النادر. ولهذه الإشارة شأنها؛ إذ هي إعلام بمكان تحفة كانت مفقودة، ووجدان ضالة ظلت منشودة. ومن سبيل المؤلف في كتابه هذا أنه ما تعرض مناسبة كتاب غير مشهور، أو أثر عزيز الوجود؛ إلا هدى إلى مخبئه، وعرف بنسخته، ولم يفته أن يذكر حصوله عليه إن كان. وما دام هذا صنيعه في الكتب العارضة، فمثل هذا الصنيع في كتب المترجم له أولى وأحق. وإذا فلا بد أن يكون المؤلف قد وادع مخطوطة الكتاب قبل أن يحصل على نسخة الفصول والغايات، ثم لم يعاوده حتى لبى نداء ربه خالد الذكر، حميد الأثر.
نسبه وأخباره
فصل في نسبه
هو أبو العلاء أحمد بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن سليمان بن أحمد بن سليمان بن داود بن المطهر بن زياد بن ربيعة بن الحرث بن ربيعة بن أنور بن أسحم بن أرقم بن النعمان بن عدي بن غطفان بن عمرو بن بريح بن خزيمة بن تيم الله بن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة التنوخي المعري. هكذا ساق نسبه ابن خلكان، وهو أصح ما وجدناه بالمعارضة على ما في كتب الأنساب؛ فإن فيما ذكره ياقوت في «إرشاد الأريب» إسقاطا لبعض الأسماء، واضطرابا في ترتيب بعضها، فاعتمدنا على رواية ابن خلكان بعد تصحيح ما حرف منها، فإن «خزيمة بن تيم الله» جاء في النسخة المطبوعة ببولاق: «جذيمة» بالجيم والذال المعجمة، وما نص عليه في كتب اللغة والأنساب «خزيمة» بالخاء والزاي مصغرا. و«تيم الله بن أسد» هكذا في جميع ما وقفنا عليه من الكتب، وجاء به أبو العلاء في سقط الزند: «تيم اللات»، في قوله:
سألته قبل يوم السير مبعثه
إليك ديوان تيم اللات ما ليتا
وقد يكون هذا تحريفا في النسخة، إلا أن من خبر شعر أبي العلاء ومذهبه في تكلفه الصناعة والتجنيس، رجح أنه ما أتى بقوله «ما ليت»، أي ما نقص، بعد قوله «اللات»، إلا إرادة للتجنيس، والله أعلم. وقد يذهب الظن إلى أن «تيم اللات» هذا ربما كان غير «تيم الله» المذكور مقدما، وهو مردود بما ذكره الشارح في سياقه نسبه عند شرح البيت. على أن فيما ذكره ابن خلكان ما لا يسكت عنه أيضا، وما نقلناه عنه هو ما وجدناه في النسخة المطبوعة ببولاق، والنسخة المطبوعة بباريس. ونقل ابن الوردي في تاريخه عبارة ابن خلكان، فأسقط أحمد بن سليمان من سلسلة النسب، ويوافقه ما في «الكوكب الثاقب» لعبد القادر بن عبد الرحمن السلوي، إلا أنه أسقط محمد بن سليمان بدل أحمد. وعلى كل حال، فالظاهر أن ما ورد في ابن خلكان فيه زيادة اسمين ربما سبق بهما قلم الناسخ .
وجده الأعلى قضاعة بن مالك أبو حي من اليمن، ينتهي نسبه إلى قحطان؛ هذا هو المشهور. وزعم نساب مضر أنه قضاعة بن معد بن عدنان، وأن مالكا زوج أمه، والنسب إلى زوج الأم عادة معروفة عند العرب، ولعلماء الأنساب في ذلك اختلاف كثير. ولهذا قال محمد بن سلام البصري النسابة لما سئل: أنزار أكثر أم اليمن؟ فقال: إن تمعددت قضاعة فنزار أكثر، وإن تيمنت فاليمن. وعلى القول الأول قول بعضهم:
قضاعة بن مالك بن حمير
Halaman tidak diketahui