نعم، إن إلغاء الأحكام العرفية لم يصبح أمرا مرهونا بإرادة السلطة العسكرية - وهو اليوم بيد الحكومة المصرية من حيث المبدأ - ولكن الشروط التي لا يشك أحد في وجوبها لإلغاء تلك الأحكام لا تتحقق بين غمضة عين وانتباهتها، يعلمون ذلك ولكنهم يغالطون ويشوهون الواقع في أمر قانون التضمينات؛ للتذرع بذلك في اتهام الوزارة في إخلاصها وصدق نواياها.
تعلمون حضراتكم أنه في سنوات الحرب وبعدها صدرت تشريعات مهمة استمدت فيها سلطة القائد العام لجعلها سارية على الأجانب، حينما كان الالتجاء إلى الطرق العادية في إصدار القوانين غير ميسور ومقرونا بالصعوبات أو محتمل البطء في أمور تقضي بالاستعجال، كضريبة الخفر وقانون أجور المباني وإيقاف سريان المدد والمواعيد القانونية، وكالنظامات المتعلقة بأشخاص الأعداء وأموالهم، وتنفيذ معاهدات الصلح.
كذلك منعت المحاكم الأهلية والمختلطة لأسباب مختلفة من نظر مسائل داخلة في اختصاصها أو يجوز اعتبارها كذلك؛ لتتولاها محاكم عسكرية أو لجان أو غير ذلك من الهيئات، وصدرت في هذه المسائل أحكام وقرارات، وبني على أساسها حقوق وتعهدات، ثم صدرت أيضا أوامر إدارية، وتدابير تتعلق بالأمن أو النظام العام.
وتعلمون حضراتكم أن كل ذلك حصل، وأن السلطة العسكرية اشتركت في أعمال التشريع والقضاء والإدارة العادية للبلاد بسبب الامتيازات الأجنبية وبسبب الحرب، هذا فضلا عن المركز الخاص الذي تهيأ لها بسبب معاهدات الصلح، فأصبحت أشبه بنظام عادي بالرغم من أن الأحكام العرفية بطبيعتها أداة استثنائية.
تعلمون ذلك حضراتكم، ولا تجهلون أن كل ما بني على هذا النظام يجب أن ينهار إذا زال أساسه، وأنه إذا ألغيت الأحكام العرفية سقطت كل التشريعات التي اتخذت بمقتضاها، وأصبح من الممكن أن تنقض كل الحقوق المدنية التي بنيت على أحكام السلطة وأوامرها، بل أن يفتح على السلطة أبواب مسئولية واسعة.
ليس منا من لا يرغب في إلغاء الأحكام العرفية وبلا تأخير، ولكن كل إنسان يشعر بأننا لا يمكننا إلغاءها دون إقرار التصرفات الماضية، ولا عبرة بما يراه غير المسئولين الذين يرون أنه يكفي أن نطلب فنجاب.
عرف الناس ذلك، وسمعوا أنه يجب إصدار قانون لإقرار التصرفات الماضية، فقال بعضهم؛ إنما أريد به تقرير الحماية وتنظيم أحكامها، وهم يعلمون أن ذلك القانون لا يخرج أمره عن أن يكون تصفية للماضي، ولا علاقة له مطلقا بالنظام المستقبل، فلفظة التضمينات هي التي أفسحت المجال للمضللين أن يذهبوا إلى التأويل ما شاءوا، وحقيقة الأمر أن ذلك القانون يسمى بالإنجليزية
Bill of Indemnity
ومعناه الصحيح: القانون الذي يقيل من المسئولية ويرفعها.
على أن بعض من يشكون من وجود الأحكام العرفية ويطالبون بإلغائها يعملون في الوقت نفسه على عرقلة مساعي الحكومة في ذلك، وقد وعدت هذه الوزارة بأنها اعتمادا على حسن موقف الأمة ستسعى في الحصول على الرجوع فيما اتخذ من التدابير المقيدة للحرية طبقا للأحكام العرفية، ولكن الذين لا يرعون حرمة يحرضون على الفتنة، ويشجعون الرعاع على الإخلال بالنظام، وأعمال التهييج والإرهاب (أترون في ذلك شيئا من الخير للبلاد؟) ولكن هذه الحكومة لن ترى مانعا من القيام بواجبها، وستمضي أعمالها بما تمليه عليها ذمتها وضميرها، ولا تلقي بالا لهذه الحركات التي لم يقصد بها وجه الله ومصلحة الوطن حتى إذا فرغت من عملها وتقدمت به إلى الأمة أدرك كل باغ أن صفحتها بيضاء، وأن إخلاصها عظيم.
Halaman tidak diketahui