كل يوم تبدي صروف الليالي
خلقا من أبي سعيد عجيبا
طاب فيه المديح والتذ حتى
فاق وصف الديار والتشبيبا
أقول: ما دامت هذه حال الوزارة الحاضرة من صدق الإخلاص للوطن، وحرارة الغيرة على مصلحته، وشدة التفاني في سبيل خدمته كما تشهد بذلك الأدلة المتوالية، والشواهد المتواترة المتتالية فلن يبعد ذلك اليوم الذي تصبح فيه آيات الحق الساطعة قد محقت أشباح الترهات البسابس، وعقائد اليقين والإيمان قد بددت هواجس الريب والوساوس فيهتدي ضلول، ويرشد غوي، ويؤمن مشكك، ويذعن مكابر، وتنقشع عن أعين غشاواتها فتبصر وعن آذان سداداتها فتسمع.
لقد ألمعنا فيما سبق من فصول هذا السفر أن من أقطع الأدلة على مضي الوزارة في تنفيذ برنامجها توليها الأمر بنفسها في حكم البلاد، وإدارتها بشكل ظاهر ملموس لا يقبل ارتيابا ولا تشككا على الرغم مما لا تنفك تدعيه المعارضة المتشائمة (في وجه البراهين الساطعة) من أن الوزارة لم تصنع شيئا من هذا القبيل، ولم تزل مسيرة يتصرف فيها الموظفون الإنجليز آلة في أيديهم يحركونها كما شاءوا وشاءت أهواؤهم.
تحتج المعارضة على زعمها هذا بحجة واهنة مفندة، وهي بقاء عدد مذكور من الموظفين الأجانب في الدوائر الأميرية، فهل هذا يدل على تحكم العنصر الأجنبي في إرادة الوزراء بسحب السلطة من أيديهم واتخاذهم لعبا وآلات لا حول لها ولا قوة؟ إن الوزارة لا ترى من الحكمة ولا من المعقول الاستغناء عن كل موظفيها الأجانب في يوم أو بعض يوم؛ فإن لهؤلاء الأجانب اطلاعا على أسرار حركة الإدارة، ووقوفا على خفاياها، ومعرفة عميقة بدقائق تركيب مكينة الحكومة وتصاريف حركاتها، فمن الخرق والحماقة أن تتخلص الوزارة منهم دفعة واحدة بين عشية وضحاها؛ لما هو محتم أن يسببه مثل هذا التسرع والتهور من اضطراب أسباب الإدارة، وارتباك دولاب العمل.
وماذا علينا من بقاء أولئك الموظفين الأجانب ما دام ذلك مؤقتا إلى حين، وما دام زمام الإدارة العامة في قبضة الرؤساء الوطنيين تحت إشراف الوزير الواضع الخطط والبرامج المنفذ لها المسئول عنها؟ وماذا يهمنا بقاء هذا العنصر الأجنبي ما دام لا حول له ولا قوة، ولا يملك ضرا ولا نفعا، وليس له أن يتصرف في الإدارة العامة حلا وعقدا وإبراما ونقضا؟
وما أحسب أن هناك شيئا أدل على حقيقة هذه الحال - الذي نصفها ونشرحها - من ذلك المنشور الذي وزعه وزير المالية على رؤساء المصالح مقررا فيه مسئولية الوزارة، وتوليها العمل بنفسها بطريقة واضحة لا غبار عليها للشك، ولا ظل للشبهة والريبة، وهذا نصه:
إن وزير المالية هو الذي يملي ويراقب السياسة المالية العامة، وهو المسئول نهائيا عن أعمال جميع المصالح التابعة له؛ لذلك يطلب إلى رؤساء المصالح:
Halaman tidak diketahui