وكان من قواد الحرب يومئذ قائد يدعى هوكر، وقد كان بلي بيرنسيد في المرتبة، وكانت بينه وبين هالك المستشار الحربي للرئيس بغضاء وشحناء، فراح يذيع في الجند أن البلاد أشد ما تكون حاجة إلى ديكتاتور يقضي على المنازعات، ويرغم الأحزاب على أن تحبس هذرها وتدفن خلافها، وأن الجيش لن يقوده إلى النصر إلا مثل ذلك الرجل الذي يقبض بيد قوية على أزمة الأمور في الدولة وفي الميادين جميعا!
ولقد ذاعت أفكار هوكر حتى لقد اجترأ ضابط كبير أن يعلن «أن الجيش وعلى رأسه ماك الصغير يستطيع أن يطهر الكونجرس والبيت الأبيض»، قالها في غير تحرج وإن كان قد قبض عليه من أجلها.
وكتب لنكولن إلى هوكر يعاتبه ويحذره العاقبة، وقد عينه في الوقت نفسه قائدا لجيش فرجينيا، ونجد في كتابه إليه شيئا من تهكمه قال: «لقد علمت علما يحملني على أن أصدق ما قلته حديثا؛ ألا وهو أن الجيش والحكومة في حاجة إلى ديكتاتور، ولقد عينتك لا بسبب هذا القول بالضرورة، وإنما على الرغم منه، إن القواد الذي يكسبون نجاحا هم وحدهم الذين يقيمون الديكتاتوريين، وغاية ما أرجوه منك الآن هو النجاح الحربي، أما الديكتاتورية فدعني أنا أجازف في هذا السبيل. إنك لن تستطيع، لا ولن يستيطع نابليون نفسه أن يرجع بخير من جيش هذه هي روحه، ألا حذار من التعجل ... ولكن أقدم في نشاط وحمية لا تخبو، واكسب لنا النصر.» •••
انقضى العام الثاني لهذه الحرب الهائلة، وقد لاقى الشماليون ما لاقوا من الهزائم، ولقي الرئيس من عنت الظروف والرجال ما لاقى.
وحل العام الثالث فلقي الرئيس وفود المهنئين بالعام الجديد وباليوم الذي حل فيه موعد التحرير، ويجد الناس على وجه الرئيس من أمارات الجهد ما تأخذهم به من أجله الرأفة كل الرأفة، ففي هذا الوجه كآبة وكدرة، وفي صفحته سمرة عجيبة تخالطها صفرة، حتى لكأنهم منه حيال رجل غيره، وما يرون وجهه الذي ألفوه إلا حين يشرق بنكتة أو بنادرة مما يسري به عن نفسه.
والرئيس مشغول أكثر وقته بالحرب، يتفكر ويطيل التفكير، ويسأل نفسه ماذا عسى أن يفعل هوكر، وما نصيب القضية في عامها الثالث.
وكان يزور الرئيس ميدان القتال على نهر بوتوماك، فيقضي بين الجند أسبوعا أو أسبوعين في خيمة، لعل في قربه من الجند ما يذهب عنه شيئا مما يساوره من قلق.
وفي شهر أبريل تحرك جيش بوتوماك، ولكنه ما لبث في شهر مايو أن هزم هزيمة منكرة في شانزلو رزفيل، بعد أن أبلى في المعركة بلاء حسنا أول الأمر.
ثم انقطعت أنباء الجيش عن العاصمة بعد هذه الهزيمة حتى بات الناس في حيرة شديدة، ورضى لنكولن من الغنيمة بأوبة الجيش، وتمنى لو عاد إلى موضعه الأول ليمنع الطريق إلى العاصمة. ووصلت إليه بعد حين رسالة من القيادة أن الجيش قد عاد إلى موضعه، وقرأ الرئيس الرسالة فتندت جفونه، وهو يقول لمن حوله ماذا عسى أن يقول الشعب؟ ماذا عسى أن يقول الشعب؟ واشتد به الغم حتى ما يفلح كلام في الترفيه عنه.
وركب الرئيس وجماعة من صحبه زورقا بخاريا إلى حيث يرابط الجيش، فاستطلع القائد واستفهمه عن سبب الهزيمة، ثم رجع إلى المدينة وقد عقد النية على أمر.
Halaman tidak diketahui