وطوى الرئيس ورقته ثم وضعها في قمطره حتى يظفر الشمال بأول انتصار، وللمرء أن يدرك مبلغ ما كان لما عسى أن يأتي به ماكليلان يومذاك من خطر.
ووقع في نفس الرئيس أسوأ وقع ما حل بالشماليين من الهزائم في شهر أغسطس، على نحو ما بينا حين كان جيش الجنوبيين يزحف إلى وشنطون بقيادة لي. •••
وتحرك ماكليلان آخر الأمر في سبتمبر، والتحم الجيشان: جيش لي وجيش ماكليلان، في أنتيتام، وحمي القتال وتوالى بين الجيشين الجزر والمد، ولم يقو الجنوبيون على مواصلة القتال فانسحبوا من المعركة انسحابا يشبه الهزيمة، وكان ذلك في اليوم السابع عشر من شهر سبتمبر، وعدت أنتيتام أولى المعارك التي تبشر بالنصر؛ فهي - وإن لم تكن نصرا كما يكون النصر - قد بثت العزم في نفوس الشماليين، وأوحت إليهم أنهم إن عملوا فسيظفرون بالجنوبيين.
المحرر.
وفي الثاني والعشرين من هذا الشهر دعا الرئيس الوزراء إلى الاجتماع، ولما اكتمل جمعهم كان في يد الرئيس كتاب فلم يشأن أن يلقيه دون أن يقرأ عليهم منه قصة أعجبته، وكان يضحك أثناء قراءته والوزراء يضحكون إلا ستانتون؛ فقد كان يضيق بكثير مما يفعله الرئيس وبما يأتيه من ضروب المزاح، وهو لا يدري أن مثل هذا الرجل في شدة كهذه الشدة أحوج ما يكون إلى أن يرفه عن نفسه ويخفف عنها بعض ما بها، وإلا فكيف كان يستطيع أن ينهض بذلك الحمل الذي يئود حمله الجبال؟
ولما فرغ الرئيس من تلاوة القصة غامت أسارير وجهه، وبدت عليه أمارات الجد ودلائل الاهتمام والحزم، وأخرج من جيبه تلك الورقة التي كتب عليها بخط يده قرار التحرير.
أعلن الرئيس أن العبيد في الولايات الأمريكية جميعا أحرار منذ اليوم الأول من السنة الجديدة سنة 1863؛ وذلك لكي يتيح فرصة للولايات المتمسكة بالرق حتى ذلك التاريخ، وأعلن أن الحكومة ستعين كل عبد على بلوغ حريته وأنها ستعوض الولايات الموالية عما تطلقهم من العبيد.
بهذا الإعلان ضرب الرق الضربة القاضية، وأتيح لذلك الفتى الطويل النحيل، الذي وقف في صدر شبابه ذات مرة في مدينة نيو أورليانز يشهد سوق العبيد، أن يحقق ما اعتزمه يومئذ حين تهدد أن يضرب بشدة إذا أتيح له أن يضرب هذا الرق البغيض. وصح حلم طالما منى به أبراهام نفسه، ورأى ذلك النجار الذي خرج من الغابة أن معوله اليوم يهوي على الظلم فيقتلعه من جذوره، فها هو ذا يعلن باسم حكومة هو رئيسها أن لا عبودية بعد اليوم المحدد، وأن الشعب الأمريكي كله شعب حر، وأن أمريكا دولة حرة وأمة حرة.
أعلن الرئيس كلمته وأدى رسالته، وشهد ابن الغابة اليوم الذي ينطق فيه باسم الشعب في أمر طالما شغل بال الأحرار في هذا الشعب، ورأى العالم نوعا جديدا من الحركات الكبرى تضاف إلى سجله وينتقل بها التاريخ من فصل إلى فصل.
وهزت البلاد من أعماقها فرحة عظيمة، وراح أعداء الرق يعلنون عن ابتهاجهم بالزينات ينصبونها والليالي يقيمونها ويملئونها بأفراحهم ومظاهر حبورهم.
Halaman tidak diketahui