A Course in Hadith Terminology
دورة تدريبية في مصطلح الحديث
Genre-genre
اختلاف العلماء في العدد الذي يقع به التواتر
فأما الشرط الأول أن يرويه عدد كثير فقد اختلفوا في تحديد مسألة الكثرة، واختلافهم كله مردود.
فمنهم من يقول: لا بد أن يكونوا سبعين في كل طبقة على الأقل، ويستشهدون على شرطهم هذا بقول الله ﷿: ﴿وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا﴾ [الأعراف:١٥٥].
والدليل المراد الاحتجاج به لابد فيه من شرطين: الشرط الأول: أن يكون صحيحًا.
الشرط الثاني: أن يكون صريحًا.
فلا تحتج على مسألة من المسائل التي بينك وبين الخصم بدليل ضعيف أو موضوع؛ لأنه لا ينفع في الاحتجاج؛ لأنه ضعيف، ولا بدليل غير صريح، مثل أن يستدل بهذه الآية على تحديد شرط التواتر بسبعين؛ لأنا نقول: إن الآية تتكلم عن مسألة أخرى، وليست شرطًا في مسألة.
فالآية لا تدل صراحة على ما استدلوا به، وليس فيها تصريح بأن أقل عدد التواتر سبعون، فالاستدلال بهذه الآية مرفوض تمامًا، وليس فيها حجة على هذا الشرط؛ لأنه غير صريح، وهو وإن كان قرآنًا متواترًا، إلا أنه ليس حجة هنا في محل النزاع.
إذًا: شرط الحجة أن تكون صحيحة وصريحة، فإن كانت صريحة دون أن تكون صحيحة فلا ينفع الاستشهاد بها، وإن كانت صحيحة دون أن تكون صريحة لم ينفع الاستشهاد بها أيضًا، بل لابد أن تكون صريحة وصحيحة في الوقت نفسه.
ومنهم من اشترط أقل من هذا العدد، ومنهم من اشترط أكثر من ذلك، فمنهم من اشترط مائة وعشرين، ومنهم من نزل إلى اثني عشر، ومنهم من قال عشرة، ومنهم من قال أقل من ذلك، ومنهم من قال أكثر، وكل منهم استند إلى دليل ليس له أي علاقة بالمسألة، وأدلتهم صحيحة غير صريحة، فلما فقد الدليل أحد شرطيه رددناه لعدم صلاحيته للاحتجاج في المسألة المتنازع فيها.
والسيوطي ﵀ اختار أن أقل عدد التواتر عشرة، واختياره أيضًا ليس عليه دليل، وهو مردود.
ثم أتى علماء التنقيب والبحث والترجيح وقالوا: إن العدد الذي يفيد التواتر هو العدد المشعر يقينًا بصحة الرواية، وبإفادتها العلم اليقيني الضروري الذي يضطر الإنسان إلى تصديقه دون بحث أو نظر فيه، وذلك مثل أن يتفق مالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل على الاستدلال بحديث على مسألة فقهية، فنعلم يقينًا على أن هذا الحديث صحيح، وهذا أمر مشعر بأنه صحيح، فإتيانه من طريق كبار المحدثين وعظمائهم يشعر بثبوت هذا الحديث يقينًا، وإفادته العلم اليقيني الضروري الذي يضطر الإنسان إلى تصديقه دون نظر أو بحث فيه.
والحديث المتواتر يفيد العلم اليقيني الضروري عند الخاصة والعامة، ولا يحتاج إلى بحث أو نظر لا من قبل العامة ولا الخاصة.
والقول الراجح في اشتراط العدد في التواتر هو قول المحققين، وهو أن يأتي الحديث من طرق مشعرة بثبوته يقينًا، وتفيد العلم اليقيني الضروري الذي يضطر الناظر فيه أن يصدقه ويقبله، ويفيد العلم اليقيني عنده دون نظر أو استدلال أو بحث فيه، وهذه الطرق لم تنزل في أي طبقة عن حد الحصر.
3 / 12