أدلة تكريم المرأة
لقد جاء النبي ﷺ ليرفع قدر المرأة، وليعلي شأنها، وليجعلها في مكانتها التي تليق بها، فهي درة مصونة، ولؤلؤة مكنونة، بل جعلها صنو الرجل، فقال ﵊: (إنما النساء شقائق الرجال)، بل وستعجب أن الله ﵎ قد خص النساء بسورة كاملة من كبار سور القرآن سماها باسم النساء، بل وفي أعظم المحافل التي وقفها رسول الله ﷺ على عرفات في هذا اليوم العظيم المهيب الكريم يتكلم النبي ﵊ عن حرمة الدماء، ويتكلم عن حرمة المال والعرض، وفي هذا اليوم وفي هذا الموقف المهيب الجليل، ولم ينس أبدًا أن يبين قدر المرأة ومكانتها، كما في مسلم من حديث جابر بن عبد الله -وهو حديث طويل- وفيه قال ﷺ: (اتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله) .
بل ولم يكتف النبي ﷺ بتكريم المرأة في هذا السن، بل كرّمها بنتًا صغيرة، وكرمها زوجة، وكرمها أمًا؛ وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رجلًا أتى النبي ﷺ فقال: (يا رسول الله! من أحق الناس بحسن صحابتي أو صحبتي؟ قال: أمك.
قال: ثم من؟ قال: أمك.
قال: ثم من؟ قال: أمك.
قال: ثم من؟ قال: أبوك)، فقدم النبي ﷺ حق الأم على حق الوالد، وكرمها ﷺ ثلاثًا، بل ولم يكتف النبي بتكريم المرأة أمًا، وإنما كرمها زوجة فقال: (اتقوا الله في النساء)، وقال: (استوصوا بالنساء خيرًا)، وقال: (إنما النساء شقائق الرجال)، وقال: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) .
ولم يكتف الحبيب ﷺ بتكريم المرأة زوجة، وإنما كرمها بنتًا صغيرة، ففي الصحيحين من حديث عائشة ﵂ قالت: (دخلت علي امرأة ومعها ابنتان لها تسألني الصدقة، فلم تجد عندي إلا تمرة واحدة -ومع ذلك لم تبخل بهذه التمرة الواحدة على السائلة وابنتيها- فأعطيتها التمرة، فقسمت الأم التمرة بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئًا -فتأثرت عائشة رضوان الله عليها بهذا المشهد الحنون الرقراق- فلما خرجت المرأة مع ابنتيها ودخل النبي ﷺ على عائشة! قصت عليه ما رأت، فقال: يا عائشة! من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار) .
وقد يقول أحدنا: لماذا قال النبي: (من ابتلي)؟ يقول علماء الأصول: خرجت هذه اللفظة النبوية مخرج الغالب؛ لأن غالب الناس في ذاك الزمان كانوا يعتبرون البنات ابتلاءً، فخرجت اللفظة النبوية مخرج الغالب، ولذا قال: (من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترًا من النار)، وفي رواية مسلم وسنن الترمذي من حديث أنس ﵁ أنه ﷺ قال: (من عال جاريتين حتى تبلغا -أي: من ربى ابنتين حتى تبلغا، ولا شك أن التربية التي يبلغ بها صاحبها هذه الدرجة تكون على منهج المصطفى ﷺ كنت أنا وهو في الجنة كهاتين، وأشار النبي ﷺ بالسبابة والوسطى) .
فانظر أيها الفاضل! يا من تتألم لأن الله رزقك بالبنات، انظر إلى هذه الدرجة وإلى هذه المكانة، فأنت رفيق النبي ﷺ في الجنة كالسبابة والوسطى إن أحسنت تربية ابنتيك، فما ظنك لو رزق الله أحد أحبابنا وإخواننا بثلاث بنات أو بأربع أو بخمس وأحسن تربيتهن على كتاب الله، وعلى سنة رسول الله، وعلى الفضيلة والعفة والحياء والمروءة والشرف؟! إذًا: فهو رفيق النبي ﷺ في الجنة.
3 / 3