من أين تأتين أيتها المياه؟ وإلى أين تذهبين؟
من أين أتينا وإلى أين نذهب؟ ...
المياه تتدفق إثر المياه مهللة مكبرة، وقد رفعت أصواتها في الغناء والنحيب، ودمدمت العناصر فيها أسرار الفيض الإلهي، ورفرفت على جوانبها أجنحة الخلود ...
من أين وإلى أين ...؟
ثقل دماغي بأفكار لا أدركها، وضاق مني الصدر لهموم لا أعرف ماهيتها، فنزعت عن ساعدي ساعة وضعت في أسورة ذهبية، ونظرت إليها قائلة: «أيتها الساعة، أنت رمز الوقت الجاري في نهر الزمان، فيسير قاصدا بحر الأبدية. ها أنا أغطسك في هذه المياه ... عسى أن تحفظي في حياتك المعدنية أثرا لرموز معنوية.» ثم جمعت بعض الحصى الملونة الجميلة الراكدة في أعماق النهر، قائلة: «أيتها الجواهر، سأحملك معي إلى وادي النيل لتذكريني بالعواطف الكثيرة التي تلاطمت في فؤادي أمام نهر الصفا ... أنت ذكر الأبدية التي حييت فيها لحظة.»
وإذ رفعت عيني إلى الأفق رأيت مقلة الزهرة ترقب يد ملك الظلام الراسمة على رداء الليل صور الهيئات السماوية.
فغادرت رأس النبع مرددة: أنهر الصفا! من وأين وإلى أين؟ •••
أنهر الصفا! جئتك تعبة الروح والجسد معا.
قرأت خلاصة الأحوال الحاضرة فدوى في مخيلتي هدير المدافع، وتمثلت لناظري صور الحرب المخيفة، ثم قصدت الاجتماعات فملأ أذني ضجيجها التافه، وضجرت نفسي من معانيها السطحية ومراميها الخبيثة. عجبت لبلاهة الإنسان، وركاكة ميوله، وفتور همته! إذ ذاك سمعت اسمك الموسيقي فأحببته؛ لأن فيه جمالا وعذوبة وسلاما.
لقد أحرقت قدمي الرمال الحارة، ومزقت يدي أشواك الحياة، فجئت أستخلص من أعشابك بلسما لجروحي، تعلق بأهدابي غبار المادة محاولا إخفاء الجمال المعنوي عن عيني، فأتيت أغسل أهدابي بمياهك المقدسة.
अज्ञात पृष्ठ