وقد وفد إلى مصر عام 1899، ولقي ربه فيها عام 1902، وخلال هذه الفترة قام برحلتين إلى بلاد كثيرة، وفي ذلك يقول السيد رشيد رضا: «إنه وجه همته أخيرا إلى التوسع في معرفة حال المسلمين؛ ليسعى في الإصلاح على بصيرة، فبعد اختباره التام لبلاد تركيا والأرمن، والأكراد، ومصر، والسودان، وسواحل أفريقيا الشرقية، وسواحل آسيا الغربية؛ اختبر بلاد العرب التي كانت موضع أمله، فدخلها من سواحل المحيط الهندي، وما زال يوغل بها حتى وصل إلى سوريا، واجتمع بالأمراء وشيوخ القبائل، وعرف استعدادهم الحربي والأدبي وحالة البلاد الزراعية، ودرس كثيرا من معادنها وأحضر منها نماذج.»
ويستطرد السيد رشيد رضا فيقول: «إن الكواكبي انتهى في رحلته الأخيرة إلى «كراجي» من موانئ الهند، وسخر الله له في عودته سفينة حربية إيطالية، فطافت به سواحل بلاد العرب وسواحل أفريقيا الشرقية، فتيسر له بذلك اختبار هذه البلاد اختبارا سبق به الإفرنج.
وكان ينوي أن يقوم برحلة إلى أوروبا، لولا أن المنية عاجلته.»
ولكن القراء ما زالوا يعرفون الكواكبي برحلاته وأفكاره، ودعوته الإصلاحية في سبيل الإسلام، وضد الاستبداد، ولم يعرفوه بعد كإنسان له صوت وملامح. فكيف كان الكواكبي؟
يقول صديقه الأستاذ كامل التعزي: «كان مربوع القامة، حنطي اللون، مستدير الوجه، خفيف العارضين، أقنى الأنف، واسع الجبين، ذا عينين زرقاوين، معتدل المقلة، لا غائرة ولا جاحظة، معتدل فتحة الفم، أزج الحاجبين، صغير الأطراف، معتدل الجسم بين السمن والهزال، أسود الشعر قد وخطه الشيب حين فارق حلب إلى مصر.»
ويقول صديقه الأستاذ إبراهيم سليم النجار: «وإنه كان أبيض الوجه بياضا مشربا بشيء قليل من الحمرة، شأن سكان البلاد الحارة، وقد أحاط خديه بلحية قصيرة كانت كالإطار لوجهه، ومد فيها الشيب خيوطه.»
ويقول ابنه الدكتور أسعد الكواكبي: «كان ربعة إلى الطول أقرب، قوي البنية، صحيح الجسم، عصبي المزاج، أشهل العينين، أزج الحاجبين، أبيض اللون، واسع الفم، عريض الصدر، أسود شعر الرأس والذقن، يتأنق في لباسه، يتكلم بجهر هادئ وسلاسة وابتسام، يحسن السباحة والصيد والفروسية.»
وهكذا يستطيع القارئ أن يرنو بعينيه فيرى أمامه عبد الرحمن الكواكبي من خلال هذه الأوصاف، وإن كان سيلاحظ اختلافا ملموسا بين من وصف فتحة فمه بالاعتدال، ومن وصف الفم بالاتساع، وبين من قال إن لونه قمحي، ومن قال إنه أبيض البشرة.
وقد سجل الأستاذ العقاد في كتابه عن الكواكبي هذه المعلومات:
سمعنا وصف سجاياه وملكاته العقلية ممن عاشروه، كما قرأنا هذا الوصف بأقلام مترجمة، فرأيناهم يتفقون على سجايا خلقه وملكات عقله، اتفاقهم على سماته وتكوين جسده، كأنهم ينظرون إلى ملامح محسوسة، لا تخطئ العين رؤيتها ولا يختلف الناظرون إليها في وصفها، فما من ترجمة له لم تبرز في الكلام عليه صفات الوقار والحلم والنجدة، وعفة اللسان وحسن الملاحظة وصدق الإرادة، وكأنما تثبت هذه الصفات في نفوس عارفيه؛ لأنها جاوزت أن تكون صفات مقدورة، وأصبحت أعمالا متكررة يؤيد بعضها بعضا، فلا ينساها من رآها وسمع بها وبآثارها.
अज्ञात पृष्ठ