ويصف جمال الدين ذلك فيقول: «سحبوني على الثلج إلى دار الحكومة بهوان وصغار وفضيحة، ثم حملني زبانية الشاه - وأنا مريض - على دابة مسلسلا بين الثلوج والرياح.»
وبعد ذلك سافر إلى لندن، واشترك في إصدار مجلة شهرية اسمها «ضياء الخافقين»، وكانت تصدر باللغتين الإنجليزية والعربية، وقد صب فيها جام غضبه على الشاه.
وطلب منه سفير فارس أن يكف عن الطعن في الشاه، وعرض عليه أموالا طائلة، وقد احتقر جمال الدين الأفغاني الطلب والعرض، وقال للسفير: لن أسكت عن الشاه حتى يلقى ربه!
وتوسل الشاه إلى السلطان عبد الحميد أن يتوسط لدى جمال الدين الأفغاني ليصلح بينهما، فدعاه عبد الحميد إلى زيارة الآستانة، ولما استقبله مندوبو السلطان في الميناء، سألوه عن حقائب ملابسه وصناديق كتبه، فقال: ملابسي على بدني وكتبي في صدري! ولم يكن معه حقيبة أو صندوق!
واستقبله عبد الحميد أحسن استقبال، وأمر بصرف مكافأة شهرية له قدرها 75 ليرة، وأنزله بيتا أنيقا يقع قرب قصر يلدز، وخصص له عربة وخدما وجواسيس! وعرض عليه السلطان عبد الحميد منصب مشيخة الإسلام، ولكنه رفض المنصب إلا إذا قبل السلطان تنفيذ آرائه الإصلاحية.
واشتبك في معارك مع رجال الدين الجامدين في تركيا، ومع «أبو الهدى» الصياد جلاد الفكر، وجاسوس السلطان المعروف.
وساءت العلاقة بينه وبين السلطان، أخذوا عليه أن السلطان عندما طلب منه أن يترك مهاجمة الشاه، أجابه قائلا: من أجلك قد عفوت عن الشاه.
وقالوا: كيف يعفو أحد الرعية عن ملك!
وأخذوا عليه أنه كان في حضرة السلطان، وظل يلعب بحبات مسبحته، وبعدما خرج نبهه رئيس الديوان إلى أن اللعب بحبات المسبحة لا يجوز في حضرة السلطان، فقال جمال الدين: إن السلطان يلعب بمستقبل الملايين من الأمة، أفلا يحق لجمال الدين أن يلعب بمسبحته كما يشاء؟!
وظل جمال الدين الأفغاني يعاني الضيق والكبت والعزلة عن الناس طيلة إقامته في الآستانة، فقد تحول بيته إلى معتقل، وأصبح رواد مجلسه جواسيس. وفي هذه الفترة كان ناصر الدين يزور أوروبا، وقابله أحد تلامذة جمال الدين، وطعنه بخنجر في صدره فأرداه قتيلا، وقال وهو يطعنه: «خذها من يد جمال الدين.»
अज्ञात पृष्ठ