كان احتفالنا بعيد ميلاد حسن الأعور في الباخرة «أريبيا» عام 1946 أو 47 لا أذكر بالضبط، وكان قد أقام في الباخرة بضعة أيام، يلتمس الراحة والبعد عن جو البيت، وحل عيد ميلاده وهو في الباخرة، واقترح عليه أحد أصدقائه أن يقيم احتفالا، فقال: نحن صعايدة ولا نعرف مثل هذه العادات. وأقسم الصديق أن يقيم في الباخرة حفلة، لم يعرف مثلها أحد قبل حسن الأعور، وبر الصديق بقسمه؛ فقد حضر الحفلة عشرون من أصدقاء حسن بينهم الدكتور عبد الوهاب مورو، والدكتور حسين عرفان، والأساتذة توفيق الحكيم، وعبد الوهاب الشريعي، وقاسم الشريعي، والسيدة أم كلثوم، والأستاذ محمد عبد الوهاب، والمرحومة الآنسة كاميليا، وأشاع حسن الأعور بين الموجودين أني معجب بجمال كاميليا، وأخذ يداعبني بقفشاته، ويسخر من ذوقي، وأخرجني جو السهرة عن هدوئي، فنظمت أبياتا من الشعر وجهتها إلى كاميليا أذكر منها هذا البيت:
إن بعض الجمال يذهل قلبي
عن ضلوعي، فكيف كل الجمال
وتطوع توفيق الحكيم بترجمة أبيات الشعر إلى اللغة الفرنسية؛ لتتمكن كاميليا من فهمها وتذوقها، وتولى عبد الوهاب تلحين الأبيات وقد حفظتها أم كلثوم في الحال وغنتها، وظل عبد الوهاب ممسكا العود لأم كلثوم، وظلت أم كلثوم تغني حتى مطلع الفجر!
ما أكثر الابتسامات والضحكات، وانتفاضات المرح والنشوة التي بعثها فينا احتفالنا بعيد ميلاد صديقنا!
واليوم - بعد ثماني سنوات أو أكثر - استحالت هذه الابتسامات والضحكات دموعا حارقة، واستحالت انتفاضاتنا المرحة النشوانة صواعق انقضت على نفوسنا، ونحن نستقبل جثمان الصديق من القطار العائد من الإسكندرية، ونضعه في القطار الذاهب إلى المنيا؛ إلى العدم!
قسوة الحرمان في حياة أنور وجدي
كنت في طريقي إلى دار أحد أصدقائي في الزمالك، وكان معي الفنان محمد عبد الوهاب، فأشار إلى «فيلا» أنيقة وقال لي: هذه هي «الفيلا» التي كان المرحوم أنور وجدي قد اشتراها قبيل وفاته وأعدها لمسكنه، وقد مات - رحمه الله - قبل أن تطأها قدماه!
وفي المساء قابلت الأستاذ جليل البنداري أمام وزارة الأوقاف، وكان يحمل ورقة وقلما، فلما رآني أخفى الورقة في جيبه وصافحني بيده، وسألته عن الورق الذي أخفاه، وهل يتضمن أغنية جديدة، أو قصة سينمائية، أو عقدا بينه وبين فنانين أو مقالا صحفيا؟ فجليل البنداري مؤلف أغاني وقصصي ومنتج سينمائي ومحرر في دار «أخبار اليوم»، وانفتح فم جليل عن ابتسامة أو تكشيرة، لا أدري! فمن العسير أن تعرف تكشيرة جليل من ابتسامته، إلا إذا قال لك بصراحة: هذه تكشيرة، وهذه ابتسامة!
وفهمت مما قاله جليل أنه حزين، وروى لي أنه كان يسجل في الورقة التي دسها في جيبه معلومات عن أنور وجدي.
अज्ञात पृष्ठ