يفيدهم الحياة الأبدية ، فاستبدلوا النقض بالوفاء ، والقطع بالوصل ، والفساد بالصلاح ، والإنكار والطعن في الآيات بالإيمان بها ، والعقاب بالثواب.
( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون (28) هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم (29))
ولما وصفهم بالكفر وسوء المقال وخبث الفعال خاطبهم على طريقة الالتفات ، ووبخهم على كفرهم مع علمهم بحالهم المقتضية خلاف ذلك ، فقال إنكارا وتعجيبا لكفرهم : ( كيف تكفرون بالله ) إيثار «كيف» الموضوع لإنكار الحال على الهمزة الاستفهامية لإفادة التعجيب لكفرهم بإنكار الحالة التي يقع عليها على الطريق البرهاني ، لأن صدوره لا ينفك عن حال وصفة ، فإذا أنكر أن يكون لكفرهم حال يوجد عليها استلزم ذلك إنكار وجوده ، فهو أبلغ وأقوى في إنكار الكفر من «أتكفرون» ، وأوفق لما بعده من الحال. والمعنى : أخبروني على أي حال تكفرون.
( وكنتم أمواتا ) وحالكم أنكم كنتم أجساما لا حياة لها ، عناصر وأغذية ، وأخلاطا ونطفا ومضغا مخلقة وغير مخلقة.
( فأحياكم ) فجعلكم أحياء بخلق الأرواح ونفخها فيكم. وعطفه بالفاء لأنه متصل بما عطف عليه غير متراخ عنه ، لأن الإحياء يحصل عقيب كونهم جمادا مستعدا للحياة بلا تراخ ، بخلاف البواقي ، فإن الموت قد تراخى عن الإحياء ، والإحياء الثاني كذلك متراخ عن الموت إن أريد به النشور تراخيا ظاهرا ، وإن أريد به إحياء القبر فمنه يكتسب العلم بتراخيه. والرجوع إلى الجزاء أيضا متراخ عن النشور ، ولهذا عطف عليه بثم الموضوعة للتراخي فقال : ( ثم يميتكم ) بعد هذه
पृष्ठ 106