كان زكريا الخرتيتي يتأهب ذلك اليوم لكتابة عموده عن يوم العيد، جلس طويلا ممسكا بالقلم بين أصابعه يفتش في رأسه عن فكرة، يتصفح الجرائد أمامه، يبحث عن عبارة أو فكرة وردت في عمود آخر يمكنه سرقتها بعد تحويرها وتلوينها، لإبعادها ما يمكن عن الأصل.
ماذا يكتب زكريا الخرتيتي عن عيد الأضحى المبارك؟
كان العيد في طفولته يوما سعيدا، يفرح بذبح الخروف مثل كل الأطفال، يصحو في الفجر على الصوت ينادي: جزار ... جزار ...
يجري يفتح له الباب، يمسك الجزار في يده سكينا كبيرا، جلبابه الأبيض الطويل مبقع بالدم، يشمر كميه، ينطق البسملة والشهادة والسكين فوق عنق الخروف: بسم الله الرحمن الرحيم أشهد أن لا إله إلا الله، ثم يضرب العنق بالسكين. تجحظ عينا الخروف المسكين، يرى في عينيه الذعر والحزن، دموع متجمدة تكسو عينيه، يرفس قليلا والدماء الغزيرة تندلع من عنقه المقطوع، رأسه ينتفض بعيدا عن جسده، كأنما يرقص. يهلل الأطفال فرحا بالعيد، يرتدون الملابس والأحذية الجديدة، يأكلون كبدة الخروف المشوية، يذهبون إلى المراجيح، يصطادون العصافير بالنبلة، يسيرون وراء الطفل الأعرج اليتيم يهللون: العبيط أهه العبيط أهه.
يتعثر الطفل الأعرج وهو يجري هاربا، يسقط على الأرض، يضحكون عليه ويصرخون من الفرح: العجل وقع هاتو السكين.
ينكفئ زكريا الخرتيتي يكتب: يا سلام يا قرائي الأعزاء على أيام زمان، كان العيد على أيامنا عيد بصحيح، كان الخير كثيرا، وكان الأطفال يفرحون بالعيد فرحا حقيقيا. يقرأ عموده لزوجته بدور وهي غارقة في الرواية تمط شفتيها بامتعاض، تقول لنفسها: لا يكتب هذا الكلام الفارغ إلا تلميذ ابتدائي، تلميذ بليد متبلد القلب ليس عنده رقة ولا إحساس.
منذ طفولتها تكره بدور الأعياد، خاصة عيد الأضحى، تظل عينا الخروف المذبوح في عينيها وهي نائمة. تطاردها المقلتان الحزينتان، تراهما داخل المرآة في الصباح قبل أن تذهب إلى المدرسة، وفي الليل قبل أن تنام. تراهما في عيني زينة بنت زينات، حين يقول الناس لها بنت زنى. حين يتلو الشيخ في الإذاعة بعض الآيات من الإنجيل والقرآن والتوراة، يقول: إن الله أنزل هذه الكتب الثلاثة هدى للعالمين، إنها كتب نزلت من السماء إلى المسلمين والمسيحيين واليهود، إنهم جميعا من أهل الكتاب سوف يذهبون إلى الجنة بعد الموت إن آمنوا بالنبي محمد والقرآن، وأن سيدنا عيسى المسيح ابن مريم لم يصلب ولم يقتله البشر، بل صعدت روحه إلى السماء بأمر الله.
تسرب إليها الشك العميق منذ الطفولة، مع الإيمان العميق المحفوف بالخوف. في المراهقة بدأت تقرأ، كان نسيم يسألها: هل قرأت القرآن والتوراة والإنجيل؟ كيف تؤمنين بكتب لم تقرئيها؟ هل قرأت كارل ماركس وفردريك إنجلز؟ هل قرأت أبا ذر الغفاري والغزالي وابن سينا وابن رشد؟ هل قرأت رابعة العدوية وابن خلدون والرومي ورباعيات عمر الخيام؟
يضحك نسيم ويقول لها: رباعيات الخيام ألذ من نبيذ عمر الخيام الأحمر.
أول مرة تعرف بدور طعم النبيذ الأحمر، كانت في التاسعة عشرة من عمرها، أول مرة تقرأ رباعيات عمر الخيام، كتبها منذ ألف عام.
अज्ञात पृष्ठ