في الثامنة من عمرها كانت ترى أمها تبكي في صمت تختفي في غرفتها، تدفن وجهها في الوسادة، تمسح دموعها في طرف الملاءة البيضاء، كفت أمها عن الكلام مع أبيها، ترمقه بنظرة ساخرة وهو راكع بين يدي الله يتمتم بآيات القرآن، أذنه مرهفة الصوت إبليس الواقف عن يساره، عينه زائغة تتلصص على سيقان البنات، عقله مشغول بنتائج الانتخابات، يسقط دائما في الكشوف النهائية، يعاني الإحباط بين الرجال، يعالجه بغزوات ناجحة بين النساء.
كانت في الثامنة من عمرها تلميذة بالمدرسة، إجازتها يوم الجمعة. يخرج أبوها إلى الجامع، تخرج أمها لزيارة أمها في مصر الجديدة، تبقى هي في غرفتها تراجع دروسها، أو تطل من النافذة على الأطفال في الشارع يلعبون، يتجمعون حول الرجل صاحب القرد ينفخ في المزمار، خداه ينتفخان بالهواء، عيناه تجحظان، يرقص القرد على إيقاع اللحن، مؤخرته الحمراء تلمع تحت الشمس، تتصاعد ضحكات الأطفال البنات والأولاد، يرقصون مع القرد ويصفقون.
كان أبوها يمنعها من النزول إلى الشارع، يقول لها: إن أولاد الشوارع هم أولاد الزنى، أولاد الأبالسة خاصة ذلك الولد الأعرج يشبه القرد، عيناه ضيقتان غائرتان تحت عظام رأسه المخروطي الصغير، وجهه طويل نحيل، بشرنه سمراء شاحبة تعلوها بقع بيضاء، نقص الغذاء والأنيميا أو فقر الدم، أذناه صغيرتان وحمراوان، في شحمة كل أذن ثقب، يتدلى منه حلق من الصفيح على شكل النجمة. يرقص الطفل الأعرج مع القرد، ويضحك وسط الأطفال، ترن ضحكته في الجو، يتسرب شيء من الضوء إلى عينيه الضيقتين، تلمعان بابتسامة تشبه الدمعة الحبيسة.
كان الطفل في مثل عمرها تعطف عليه أمها، تناوله قرشا، نصف رغيف داخله قطعة جبن، كعكة من كعك العيد، سروالا قديما من سراويل زوجها.
ذلك اليوم، الجمعة، بعد أن انتهت من مراجعة دروسها، كان أذان الظهر يدوي من الجامع المجاور، وكانت الشمس مشرقة في بداية الربيع، زالت برودة الشتاء وانقشعت السحب، أرادت أن تتمشي خارج البيت تشم الهواء، أن تزور صديقتها في المنزل المجاور قبل أن يعود أبوها من الجامع، كان يمنعها من زيارة صديقتها، لا تخرج من البيت إلا إلى المدرسة في خط واحد مستقيم في الذهاب والإياب، لا تلتفت إلى هنا أو إلى هناك، تسمع أباها يقول: شرف البنت زي عود الكبريت يشتعل مرة واحدة فقط، مرة واحدة فقط مرة واحدة فاهماني؟
قبل أن تخرج من باب البيت أرادت أن تتمشى قليلا في الفناء، كانت حديقة تحوط البيت فيها زهور ذابلة، حوش كبير من الأرض الترابية، في الفناء الخلفي كانت غرفة صغيرة تضع فيها أمها ما يفيض عن الحاجة، تسميها غرفة الكرار، أو مخزن العفش، تجري فيها السحالي والخنافس. تسكن فيها الأرواح الشريرة، منها إبليس كما تقول أمها، يسميها أبوها «أوضة الفيران»؛ يهددها بالحبس في أوضة الفيران عند العصيان.
كان للغرفة باب خشبي قديم نصف مغلق، بينما هي تمشي في الفناء الخلفي رأت الباب مواربا عن شق صغير، دفعها من الاستطلاع إلى أن تقترب من الباب بحذر؛ خشية أن يقفز في وجهها فأر أو سحلية أو روح شريرة. لم تكن تؤمن مثل أمها بوجود الأرواح أو العفاريت والجن، قالت لها مدرسة العلوم أن تفكر بعقلها. لا شيء اسمه أرواح أو عفاريت أو جن، تردد للمدرسة ما سمعته من أبيها: لكن ربنا يا أبلة قال في القرآن أن فيه جن وعفاريت. - مين قالك الكلام ده؟ - بابا يا أبلة. - باباكي مش فاهم كلام ربنا، لازم تفهمي كلام ربنا بعقلك، إنتي مش بعقل بابا ولا ماما.
تشجعت بدور ونظرت من شق الباب الموارب. كان يمكن ألا ترى شيئا؛ فالغرفة مظلمة تماما، ليس لها نافذة، كان يمكن أن تمضي في طريقها، لكنها سمعت صوتا غريبا يشبه صوت طفل يلهث، تجمدت عيناها فوق الشق في الباب، رأت النصف الأسفل من جسد أبيها عاريا، جلبابه الأبيض مرفوع فوق كتفيه، قضيبه منتصب بحجم ضخم. لم تشهد في حياتها قضيبا بهذا الحجم، كانت تلمح أحيانا قضبان الأطفال في الشوارع، حين يسيرون بأردافهم العارية وأقدامهم الحافية، لكنها قضبان صغيرة الحجم مرتخية مثل قطعة لحم طرية ضئيلة تتدلى بين الفخذين، كانت أمها تسميها العصفورة، وقضيب آخر أكبر كانت تراه يتدلى في الحلم من وراء سحابه من الدخان يشبه إصبع الشيطان، يزحف من حلمة النهد الدقيقة إلى العانة الملساء بغير شعر، ثم يهبط إلى ثنايا اللحم حتى بؤرة الألم واللذة في الأحشاء الدفينة.
كانت في الثامنة من عمرها، خبرتها قليلة. بدا لها قضيب أبيها كبيرا أكبر من ذلك المتدلي من السماء، منتفخا ممدودا إلى أسفل حتى جسد الصبي الطفل، يشبه القرد، مؤخرته عاريه حمراء كالقرد. اكتشفت وجود الطفل الصبي بعد أن رأت قضيب أبيها، كأنما جسد الطفل كان امتدادا للقضيب، أو أن القضيب كان امتدادا لمؤخرة الصبي. كان الولد الصغير راقدا فوق بطنه على الأرض، وجهه مرفوع قليلا نحو شق الباب، عيناه مرفوعتان نحو الخط الرفيع من الضوء، ساقه العرجاء العارية ممدودة كالحاجز تفصل بينه وبين أبيها، يده مدفونة تحت ذقنه، أصابعه متقلصة قابضة على شيء أسفل بطنه مختبئ في العمق، أذناه الصغيرتان حمراوان، في كل شحمة حلق من الصفيح.
تصورت لأول نظرة أنهما جسد واحد، ثم انتبهت إلى أنهما جسدان، جسد أبيها وجسد الطفل الولد الأعرج من أولاد الشوارع. عمره ثمانية أعوام مثل عمرها، جسدان ذائبان في كتلة واحدة، تشبه حيوان الكانغورو، حامل ابنه فوق ظهره، أو تحت بطنه.
अज्ञात पृष्ठ