يداها الصغيرتان مثلجتان، يدلكهما بيديه الكبيرتين الدافئتين، يهمس في أذنها بصوت حنون: أنا معاكي ما تخافيش.
يخاطبها كالأم تخاطب طفلتها، تضع رأسها فوق صدره، تظنه صدر أمها، تحوطه بذراعيها وهي نصف عارية: أنا بحبك يا دكتور، خدني في حضنك يا دكتور.
تفتح مجيدة جفونها، تصحو من النوم، لا تكاد تعرف الحلم من الحقيقة. بالأمس كانت تمشي في جنازة أبيها، في الصباح رأته جالسا إلى مائدة الفطور يشرب القهوة باللبن، أمها جالسة أمامه تشرب الشاي، كل منهما يدفن وجهه في الجريدة، لا يتبادلان الكلام. الصمت يجثم على البيت ثقيلا كالموت. - صباح الخير يا ماما. - صباح الخير يا مجيدة. - صباح الخير يا بابا. - صباح الخير يا مجيدة.
ثم يعود الصمت كما كان، أثقل مما كان. ترتدي مجيدة ملابس الخروج، تفتح الباب ثم تغلفه من خلفها في صفقة قوية حادة.
فوق الأريكة تخلع ملابسها أمام الطبيب النفسي، تتمدد عارية فوق الأريكة، تمد له ذراعيها، تريد أن تموت بين ذراعيه، تريد أن تعرف قمة اللذة قبل الموت.
يحوطها الطبيب النفسي، يربت شعرها وكتفيها الناعمين ، تهبط يده إلى النهد العاري، ينبض تحت يده. يقول لنفسه: ليس من مبادئ الطب النفسي ممارسة الجنس مع المريضات، لكن هذه الممارسة قد تكون وسيلة للعلاج، وهي أيضا تروقه. هذا الجسد الأنثوي المتفجر بالرغبة، كالأرض الظمأى تبغي قطرة ماء، ليس مثل جسد زوجته، كتلة باردة صماء، لا يحركها شيء، وإن نخسها بالإبرة، أو غرز في بطنها قضيبا حديديا محميا في النار.
بعد أن تخرج مجيدة يصحو ضميره؛ يؤنبه على ما فعل. يرى نفسه داخل النار، في أعماقه منذ الطفولة يؤمن بإله منتقم جبار، لن يغفر الله ذنوبه الكثيرة، أكبر ذنب أنه يشك في وجود الله، يتمزق بين الشك واليقين.
مزيد من الناس يعودون إلى الإيمان، تصاعدت التيارات الدينية في كل مكان في الشرق والغرب، مسلمين ومسيحيين ويهودا وبوذيين وهندوكيين وكل الأديان. كل دين أكثر عنفا من الآخر، حروب طائفية تحت اسم الإله، كل إله أكثر دموية من الآخر، حاول التخلص من إيمانه دون جدوى. في عيد الأضحى الماضي سافر إلى قريته، دعاه أبوه وأمه للاحتفال بالعيد، ركب سيارته المرسيدس السماوية، وهو يقودها على الطريق الزراعي خطر له أن الله سوف يعاقبه على شكوكه فيه، أن الله سوف يجعل السيارة اللوري القادمة تصطدم بسيارته ويموت. أفظع من الموت أن يشوه جسده، أن يفقد ذراعا أو ساقا أو عينا من عينيه.
كان يقوم بدراسة عن علاقة الأديان بالأمراض النفسية. كلما تعمق في الدراسة أدرك خطورة الإيمان، تلازمه فكرة انتقام الله منه، ليس هناك من هو أكثر انتقاما من الرب. إن ظهرت دراسته في كتاب فسوف يدخل اسمه قائمة الموت، تصدرها مجموعة الأمير ومجموعة أخرى مجهولة تعمل تحت الأرض. كانت القرية هادئة فيها جامع واحد، صوت المؤذن كان جميلا وناعما، يدغدغ الأذن، أصبحت القرية ملأى بالجوامع في كل حارة، في كل ناصية، في كل زقاق وزاروب. فوق كل منارة ميكروفون ضخم، ينطلق الأذان خمس مرات في اليوم، أصوات تشبه الرعد. امتلأت الحواري بشباب تغطي اللحى السوداء الغزيرة وجوههم، تتدلى فوق صدورهم. النساء والفتيات والأطفال البنات رءوسهن ملفوفة بالحجاب، المشايخ يلفون رءوسهم بالعمائم، الأولاد الصيبان يرتدون الطاقة ذات المخرمات. تراوده فكرة أن الله ربما لا يهتم بهذه الأزياء أو لا يراها، وإن رآها فما هي المشكلة؟ لماذا تؤرقه أزياء الناس؟ لماذا لا يكف عن مراقبة أجساد النساء؟
أوقف السيارة أمام بيت الخرتيتي الذي تحيطه المزرعة الكبيرة، كان زكريا الخرتيتي زميلا له في المدرسة. في الميدان الصغير مر بالمدرسة التي كان فيها وهو طفل، رأى ملصقا فوق الجدار عليه صورة زكريا الخرتيتي، الصورة ذاتها التي تنشر على رأس عموده في الجريدة كل صباح، إعلان عن محاضرة له بمناسبة العيد، عنوانها: العلم والإيمان.
अज्ञात पृष्ठ