ज़ैतूना व सिन्दियाना
الزيتونة والسنديانة: مدخل إلى حياة وشعر عادل قرشولي مع النص الكامل لديوانه: هكذا تكلم عبد الله
शैलियों
الذي يلاحقه من خط طول إلى خط طول،
عبر الحارات المخيفة في ضواحي المدن. (ج) جاء الشاعر إلى هذه المدينة بأحلام خضراء فوق جبينه، وصمم منذ البداية على عدم التخلي عن نفسه، ولا عن الناس الذين عاش معهم وما زال يعيش. شارك في حياتها الاجتماعية والسياسية والثقافية مشاركة فعالة، تبنى قضاياها وآمن زمنا - قبل أن يجرده واقع التطبيق البائس من أوهامه - بمشروعها الاشتراكي اليوتوبي: «إذ أين أستطيع، إن لم يكن هنا، أن أنشر سجادة عملي العريضة أمام التاريخ، وعلى طرق الصداقة التي أطلق عليها اسم السلام الحي؟ أين - إن لم يكن هنا - يمكنني أن أتدرب على المشية المنتصبة للبشرية، لأملأ قدر الكرة الأرضية باللبن والنبيذ لا بالرصاص، ولكي أقول أخيرا: لم تكن المعارك ضربا من العبث، ولا كانت حزمة السهام التي رشقت في صدورها، أليس هذا جديرا بأن يزن كل شيء؟»
لكن الحياة لم تكن سهلة على الإطلاق. وكثيرا ما بلغ اليأس والغضب بالشاعر إلى الحد الذي تصور معه أن يكون: دون كيشوت جديد، أو ميخائيل كولهاز آخر،
3
وأنه لا يكاد يتوقف مثلهما عن شق حنجرته من الصراخ في وجه طواحين الهواء الفارغة المملة، والعيون الخرساء الصماء. صحيح أنه يتمسك في هذا البلد بكتفي المرأة التي يحبها ويستند إليها، لكن ضميره لم يسمح له أبدا بأن يعيش في غيبة عن همومها ومواجع أهلها، ولا بأن ينكفئ على نفسه كالزهرة الصامتة في غرفة نظيفة، أو بيت زجاجي مريح، والسبب في هذا بسيط؛ فقد صمم منذ البداية على أن يكون زواجه من البلدين - سوريا وألمانيا أو دمشق وليبزيج - زواجا أبديا لا يفصم رباطه المقدس إلا الموت: ها أنا ذا أحيا بينكم ومعكم، ولن أتخلى عن نفسي ولا عنكم، هنا في هذا البلد الذي جئت إليه، وفوق جبيني أحلام خضراء.
4
كان زواجه من هذا البلد وثقافته التي انطبع بها زواج عمر ومصير. وقد اقتضت الأمانة والصدق أن يعترف بأن هذا الزواج عهد لا يرد؛ إذ لا يمكن أن يكون المكان الذي عشنا فيه، وعاشت لنا فيه ذكريات، وتعلقنا به وبأهله ومعالمه بعلاقة حميمة، لا يمكن أن يكون قطارا يهبط منه الإنسان في أي محطة يشاء. وكيف يفعل هذا مع بلد أصبح له وطنا في الغربة، تعلم فيه وعلم، وترك بصماته على حياته الثقافية، وأحب وتزوج وصار له فيه أولاد وأحفاد؟
ومع ذلك فإن اعترافه - إذا جاز القول - اعتراف نقدي، ينطلق من الطموح لا من الواقع الذي جربه. أراد - كما فعل كثيرون غيره - أن يغرس بكلماته وأعماله سجادة عريضة على طريق الصداقة، والسلام الحي بين الأفراد والشعوب والثقافات، بحيث يمشي عليها التاريخ بجلال وكبرياء. لكن الواقع القبيح كان يعاقبه كل يوم على حماسه وتفاؤله، فلم يبق أمامه إلا أن يتشبث بمبدأ الأمل ويرفع رايته، وأن يتمسك بكتفي المرأة التي أحبته وأحبها وتزوجها؛ حتى لا يسقط أو يجن. كما رفض في الوقت نفسه أن يغيب عن الساحة، أو يعتزل في برج زجاجي أو غرفة نظيفة مريحة.
وما أكثر ما ووجه في الندوات التي يدعى إليها لقراءة شعره، بهذا السؤال: إذا كانت الأحوال عندنا لا تعجبك، فلماذا لا ترجع إلى وطنك؟ وهو سؤال كان يجيب عليه مؤكدا أنه لا يعتبر أن حياته في ألمانيا الشرقية هي حياة في المنفى، أو أنه يعيش فيها لأسباب سياسية؛ فهو يحمل جواز سفر سوري، ويزور وطنه الأصلي مرة على الأقل كل عام؛ ليشارك في المهرجانات المسرحية والندوات الشعرية التي تقام في دمشق. ومع ذلك؛ فإن رجوعه لم يكن بالبساطة التي يتصورها السائل، ولم يخطر على باله أن ينتقل إلى ألمانيا الغربية التي كان في استطاعته أن يعبر إليها دون حاجة لاختراق الحواجز، أو القفز فوق السور المخيف والأسلاك الشائكة. لم يفعل شيئا من ذلك؛ لأنه ارتبط بهذا البلد بروابط العمل والزواج والأولاد والأحفاد والأصدقاء والذكريات واللحظات التي تعشش تحت الجلد، ولا يستطيع العشب أن يغطيها.
عاش الشاعر في هذا البلد - حتى اليوم الذي ألقى فيه تلك المحاضرة - ما يقرب من ثلاثين سنة، عاش في قلق دائم، مهددا بسحب التصريح بإقامته في أي وقت، إذا لم تجدد له الجامعة عقد العمل (إذ نص القانون الخاص بالأجانب، الذي صدر بألمانيا الشرقية، في الثامن والعشرين من شهر يونيو سنة 1979م، على أن الإقامة يمكن أن تحدد زمانيا ومكانيا، وأن تمنع أو تلغى دون حاجة لإبداء الأسباب)، لكن هذا القلق الذي ظل مسلطا كالسيف فوق رقبته، لم يجعله يسكت على الظلم والكذب الذي كان يراه ويعانيه كل يوم، كما لم يكن على استعداد لأن يشتري بالكذب يوما واحدا، يمد له بعد انتهاء مدة إقامته. (د) ويتطرق الشاعر لظاهرة العداء للأجانب، فيقدم أمثلة مؤلمة تكشف عن أبعاد هذا الخطر الداهم، ثم يطرح هذا السؤال المرعب: كم من الوقت سيمضي قبل أن تعلق على واجهات المحال العامة هذه اللافتة الملعونة: «ممنوع للكلاب والأجانب». منعت ابنة شقيقه، المولودة في برلين، من اللعب في الفترة الأخيرة مع أترابها من الأطفال الذين اعتادت أن تلعب معهم، إذ فوجئت بصوت خشن يقول لها : إن الألعاب مقصورة على الألمان. وتهجم أحدهم على السلة التي كانت تحملها سيدة عربية في السوبر ماركت، وأفرغها من قطع الخبز التي كانت تعتزم شراءها؛ بحجة أنها لا تحمل معها بطاقة هوية، مع أن العاملين في المحل الذي تتسوق منه يعرفونها جيدا، بالإضافة إلى أنها تسكن بجواره وتتردد عليه منذ وقت طويل. وبالقرب من مسكن للطلاب يقيم به بعض الأجانب مع زملائهم، علقت لافتة نقشت عليها هذه الكلمات: «الديموقراطية للألمان وحدهم»، ثم أضيفت إليها بعد ذلك علامة استفهام (ربما أراد بها صاحبها أن يعيد الذين كتبوها التفكير في عبارتهم الاستفزازية، ولا يتصوروا أنها حقيقة جازمة لا تقبل المناقشة). وفي مقهى فندق مشهور بمدينة برلين طلب الشاعر قهوة، فسألته النادلة - ربما بعد أن لاحظت ملامحه الأجنبية - إن كان من نزلاء الفندق؟ ولما أجاب بالسلب؛ رفضت أن تلبي طلبه. وجلس على كرسي في قاعة الاستقبال لينفس قليلا عن غضبه، فشاهد ثلاثة رجال، رجح أن يكونوا من الألمان الغربيين يتجهون إلى المقهى، ويتناولون المشروبات على راحتهم، وتشجع فقام إليهم، وسألهم إن كانوا من نزلاء الفندق، فاكتشف من كلامهم أنهم ليسوا من نزلائه، ولا من الألمان، وإنما هم من الهولنديين.
अज्ञात पृष्ठ