وفي هذا اليوم انطلق فاقترب من وسط المدينة، وكان يمر بأسر يخوض أفرادها في الماء، ويدفعون أمامهم الأوعية التي تستخدم في الغسيل وقد ملئوها بمنقولاتهم، ومر بجوار امرأتين تدفعان أمامهما حمام سباحة بلاستيكي ينفخ ويوضع فيه الماء للأطفال، وقد وضعوا فيه الملابس والطعام، وفي كل مرة كان زيتون يسأل إن كان يستطيع المساعدة، وأحيانا كان يطلب منه زجاجة أو زجاجتان من الماء، فيقدم لهم ما لديه، كان يعثر على أشياء بالغة الكثرة - مياه معبأة، ووجبات جاهزة، وأغذية معلبة - وحيثما صادف أحدا أعطاه ما كان لديه في القارب. كان لديه المخزون الكافي في البيت، ولم يكن يريد أي أثقال أخرى تبطئ سير القارب.
ووصل بقاربه إلى المنصة رقم أ-10 عند تقاطع شارعي كليبورن وبويدراس، وهي هيكل من الخرسانة يعلو على سطح الماء بنحو عشر أقدام، وكان فوقها العشرات الذين ينتظرون الإنقاذ، كانت إحدى الطائرات العمودية قد أسقطت زجاجات الماء والطعام، وكان يبدو أن لديهم المؤن الكافية، وسألوا زيتون إن كان يريد أي ماء فقال إن لديه الكفاية، ولكنه يحمل الماء إلى من يحتاجون إليه، فأعطوه صندوقا، وعندما أدار قاربه رأى نصف دستة كلاب مع المجموعة، معظمها من الجراء الصغيرة، كانت تبدو في صحة جيدة وتتناول ما يكفي من الطعام، كانت تجلس في ظل السيارات هربا من حرارة الجو.
ولما كان زيتون يفترض أن كل ما أصاب المدينة أشد وطأة على الأرجح في وسطها، اختار ألا يقترب من المركز إلى أكثر من هذا الحد، فحول وجهة القارب، وعاد أدراجه إلى شارع دارت.
وبينما كانت كاثي تقود السيارة إلى هيوستن، كانت يوكو تتخذ الترتيبات اللازمة حتى تقضي الأسرة ليلتها في منزل صديقة قديمة لهما كانت تسميها ماري، وكانت ماري هذه، مثل يوكو وكاثي، أمريكية ولدت لأسرة مسيحية واعتنقت الإسلام بعد أن كبرت، وقد أصبح منزلها الآن ملجأ تحتمي فيه الأسر الهاربة من وجه العاصفة، وعندما توقفت الأوديسية، سيارة كاثي، عند مدخل المنزل وجدت فيه أكثر من عشرة أشخاص، وكانوا كلهم من المسلمين من نيو أورلينز وغيرها من مناطق لويزيانا ومسيسيبي.
وكانت ماري امرأة براقة العينين في الأربعينيات، وقد خرجت لاستقبال كاثي والأطفال عند مدخل البيت، وحملت حقائبهم، واحتضنت كاثي بشدة جعلت الدموع تنساب من عينيها مرة أخرى، وصحبتهم ماري إلى الداخل، وأرشدت الأطفال إلى حمام السباحة خلف المنزل، وفي غضون دقائق كان الأربعة يسبحون في سعادة، وانهارت كاثي على الأريكة وحاولت ألا تفكر في أي شيء.
وعندما عاد زيتون إلى منزله في شارع دارت، وجد خيمته في الماء أسفل المنزل، كانت الريح قد أطارتها عن السقف، وحدس زيتون أن ذلك كان على الأرجح بسبب طائرة عمودية، فانتزعها من الماء ونصبها من جديد، وجفف داخلها بالفوط، ثم دخل المنزل ليبحث عن أثقال يثبتها بها، فأحضر أكواما من الكتب، وكانت هذه المرة أثقل ما وجد، ووضعها في أركان الخيمة.
وبينما كان يعمل داخل الخيمة على تثبيتها، سمع صوت طائرة عمودية أخرى تقترب منه، كان الصوت يصم الآذان، وتوقع أن تمر من فوق منزله في طريقها إلى مكان آخر، ولكنه عندما أخرج رأسه من الخيمة ونظر وجد أنها تحلق فوق منزله، بل فوقه، وكان بها رجلان يرسلان الإشارات إليه.
وأشار إليهما إشارة من يطلب ذهابهما، مؤكدا أنه بخير، ولكن ذلك فيما يبدو زاد من حيرتهما؛ إذ بدأ الرجل الثاني في الطائرة العمودية يدلي قفصا إليه، وعندها رأى زيتون أن يرسل إلى الرجل إشارة برفع إبهامه دليلا على أنه بخير، ومشيرا إلى خيمته، وكرر الإشارة بالإبهام المرفوع وإشارات تفيد أنه بخير. وأخيرا أدرك أحد الرجلين اعتزام زيتون البقاء، وقرر إلقاء صندوق من المياه المعبأة له، وحاول زيتون من جديد عبثا، صرف الرجلين عنه، وهبط الصندوق فوثب زيتون متنحيا عن طريقه، ولكن الصندوق هبط على الخيمة فأوقعها وجعلت زجاجات الماء تتواثب في كل مكان، ورضي الرجلان عما فعلا فحولا وجهة الطائرة وانطلقت.
وعاد زيتون لتثبيت خيمته من جديد، وبدأ الاستعداد للرقاد، ولكنه كان قلقا مثلما كان في الليلة السابقة وذهنه تموج فيه أحداث النهار المنصرم، فجلس على السقف يرقب حركة الطائرات العمودية التي تحلق وتنقض فوق باقي منازل المدينة، ثم وضع خطة لليوم التالي؛ سوف يغامر بقطع مسافة أكبر نحو وسط البلد، ويزور مرة أخرى الجسر رقم أ-10، ويستطلع ما حدث لمكتب شركته ومخزنها في شارع دبلن، كانت الشركة تحتفظ في الطابق الأول من المخزن بالمعدات الإضافية، مثل الأدوات والدهانات والفراجين والستائر المقواة وغيرها، وتتخذ من الطابق الثاني مكانا للمكاتب التي تضم أجهزة الكمبيوتر، والملفات، والخرائط، والفواتير، وعقود أملاك العقارات، وبدا الألم في وجهه حين خطر له ما يمكن أن يكون قد أصاب المبنى، وهو متهالك أصلا.
وكانت الطائرات العمودية تحوم طول الليل، وفيما عدا ذلك كان السكون يلف المكان، ولم يسمع أصوات الكلاب، وبعد أن أدى صلاته، أوى إلى النوم تحت سماء مضطربة.
अज्ञात पृष्ठ