من القضايا التي تتعلق بأهل البيت ما يتعلق بمفهوم العصمة. وموضوع العصمة ليس من مهمات الدين، والقول به أو عدمه لا يضر كثيرا. ثم إنه من المفاهيم التي يختلف تفسيرها بين المذاهب. عند الزيدية العصمة هي تأييد إلهي يساعد العبد على ترك المعاصي، ولكن لا تجبره على ذلك، ولذلك هي لا تتنافى مع الاختيار. كما إنها لا تتعلق بالخطأ، أو السهو، أو النسيان، فلا تنافي بين العصمة وكل ذلك. كما إنها أمر اكتسابي يمكن لأي عبد صالح أن يحصل عليه، سواء كان من أهل البيت أم من غيرهم، إلا أن الزيدية ترى وفقا لقوله تعالى:{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}، أن لأهل البيت اختصاصا في رحمة الله ، بحيث يكون الصالح منهم أقرب إلى استحقاق التأييد من غيرهم. والمشهور بين الزيدية أن العصمة لأهل الكساء تعيينا، ولم يعين الله سواهم. وعصمتهم لا تعني أنهم لا يخطئون فيما لا معصية فيه. وأما في الفتيا أو المواقف السياسية والاجتماعية، فالقول بعصمتهم لا يعني قطعا وجوب اتباع كل شيء عنهم. بل قد نص الإمام عبدالله بن حمزة على جواز مخالفة اجتهادات الإمام علي نفسه، فقال ما نصه: ((إن تعبدنا باجتهادنا في الشرعيات دون اجتهاده ولا يسعنا إلا ذلك)). والذي أفهمه أن مخالفة الاجتهاد لا تعني ضرورة التخطئة له، باعتبار أن ذلك الاجتهاد إنما صدر ضمن ظروف موضوعية محددة، وقد تصح الفتيا باعتبار تلك الظروف، ولكن يجوز لغيره من المجتهدين مخالفتها إذا ظهرت لهم اعتبارات موضوعية تدعو إلى ذلك. وأما وجوب اتباع الإمام علي
فهي في منهجه وسيرته الإجمالية التي لم تحد عن الحق قال الإمام عبدالله بن حمزة: ((إن متابعة علي
واجبة، ومخالفته غير صائبة فذلك حق عندنا في اتباعه في الدعاء إلى الحق، والدلالة على الرشد، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وسد الثغور، وسياسة الجمهور....)). نعم، هناك من رأى أنه تجب متابعة الإمام علي
مطلقا باعتبار أن الأحاديث التي وردت فيه ودلت على أنه على الحق، وأن الحق معه توجب ذلك.
المهدي عند الزيدية
من اللافت للانتباه أنه لو بحث في قديم مؤلفات الزيدية لن يجد الباحث الكثير عن المهدي، بل لعله لن يجد عنه أكثر من بضع صفحات. وأما ما روي عنه في فترات متأخرة فمأخوذ من كتب الحديث التي رواها غير أهل البيت، بل غير الزيدية عموما. والظاهر من النصوص أن أهل البيت يقولون بأن هناك مهديا مخصوصا، هذا يظهر من موقفهم من محمد بن عبدالله النفس الزكية، فقد اعتقد فيه أنه هو المهدي، فلعل أمر المهدي مما كان يتناقل بينهم معرفة، وليس رواية. كما تكلم فيه الإمام القاسم بن إبراهيم، وأشار إليه وإلى كريم أوصافه الإمام الهادي يحيى بن الحسين. ولكن أيضا نجد أن الزيدية لم تكثر من وضع المؤلفات عنه وعن أحواله. ولعل السبب يعود إلى رؤية الزيدية لمفهوم المهدية. هذه الرؤية نجد أصلها في كلام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن(ت145ه) لما سئل عن أخيه، أهو المهدي؟ فقال
: المهدي عدة من الله لنبيه وعده أن يجعل من أهله مهديا لم يسمه بعينه ولم يوقت زمانه، وقد قام أخي بفريضته عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أراد أن يجعله الله المهدي الذي يذكر فهو فضل الله يمن به على من يشاء من عباده، وإلا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره. يدل النص على أن موضوع المهدي ليس إلا فضلا من الله يسعد به من جاءه، ولكنه ليس الأمل الوحيد المعقود عليه في إحداث التغيير ، وبالتالي فإن حضوره في الثقافة الزيدية لم يتجاوز كونه فضلا من الله يؤتيه من يشاء. بخلاف المهدي عند الفرق الأخرى التي أصبح هو الأمل المنشود والوحيد للتغيير في المجتمع المسلم. إن الحق يمكن أن يعود، والعدل يمكن أن يقام بغياب المهدي. توجب الزيدية السعي إلى أن يكون لكل عصر مهديه الذي يملأ زمانه عدلا وقسطا.
पृष्ठ 107