4. أن النبي صلى الله عليه وسلم سوف يسألنا عن موقفنا من العترة. تلك النصوص، إضافة إلى غيرها، سبب تلك المكانة المشار إليها. ومهما اختلفنا حول دلالة تلك النصوص، فلن نختلف في أن أقل ما تدل عليه هو أن لأهل البيت شأنا عند الله، شأنا يوجب على الأمة أن تبحث عن أخبارهم، وتنقب عن أحوالهم، وتتبع علومهم، وتنظر في كتبهم، وتتعلم من أعلامهم، وتترك أعداءهم. ولكن وللأسف فأكثر الناس نحو أئمة أهل البيت إما غافل، وإما جاهل، وإما حاسد. والناظر في كتب التاريخ يجد عجبا حين يرى أن أهل البيت قوبلوا بكثير من الجفاء تارة، والإغماط تارة، والقدح تارة أخرى. هذا فضلا عن قتلهم، وتشريدهم، هم وكل من انتسب إليهم. فقد قتل أمير المؤمنين وسم الحسن
سرا، وقتل الحسين هو وأهل بيته وخيرة أصحابه جهرا، وسم الحسن بن الحسن وعلي بن الحسين زين العابدين، وصلب زيد بن علي عريانا في كناسة الكوفة، وقطع رأسه ونصب أمام قبر جده المصطفى صلى الله عليه وآله، كما قتل ولده يحيى
، وقتل عبد الله بن الحسن بن الحسن كامل أهل البيت مع خيرة من أهل بيته نحو إبراهيم الشبه بن الحسن بن الحسن، وعلي العابد بن الحسن بن الحسن بن الحسن " في حبس أبي جعفر الدوانيقي، وبني على محمد بن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن
، وقتل محمد وإبراهيم ابنا عبدالله بن الحسن، وقتل موسى بن جعفر شهيدا في حبس هارون العباسي، وسمم هارون إدريس بن عبدالله، وقتل أخاه يحيى بن عبدالله، وسم علي بن موسى الرضا على يدي المأمون(ت218) وهذا فضلا عمن شرد وطرد نحو الإمام عيسى بن زيد، وابنه الإمام أحمد بن عيسى، والإمام علي بن جعفر العريضي، والإمام القاسم بن إبراهيم الرسي، وقد وصف الإمام يحيى بن عبدالله أحوال من شرد من أهل البيت ضمن رسالة وجهها إلى هارون العباسي حيث قال: (فلما أهلكه الله أي أبو جعفر الدوانيقي قابلتنا أنت وأخوك الجبار الفظ الغليظ العنيد يعني موسى الملقب بالهادي بأضعاف فتنته واحتذاء سيرته قتلا وعذابا وتشريدا وتطريدا، فأكلتمانا أكل الربا حتى لفظتنا الأرض خوفا منكما, وتأبدنا بالفلوات هربا عنكما، فأنست بنا الوحوش، وأنسنا بها وألفتنا البهائم وألفناها). وإضافة لكل ما سبق فقد كان الإمام علي يلعن ويشتم بعد كل صلاة جمعة وفي الخطبة، في كل قطر من أقطار ديار الإسلام في العصر الأموي. والكلام فيما تعرض له أهل البيت ومن انتسب إليهم يطول، وما ذكرته غيض من فيض، والغرض الإشارة. في مقابل ذلك فإننا نجد أن من سفك دماء أهل البيت، وانتهك حرماتهم، ولم يراع مكانتهم ومنزلتهم من رسول الله، قد تم الثناء عليه وقبوله والرضا عنه. ولو اقتصر ذلك على الساسة ورجال الدولة، لكان الأمر مقبولا إلى حد ما، ولكن الأمر امتد إلى رجال الحديث من أهل السنة حيث صارت القاعدة لديهم كما قال ابن حجر العسقلاني: "توثيقهم الناصبي غالبا وتوهينهم الشيعة مطلقا..." ؛ فقد أثنوا على مروان بن الحكم بن أبي العاص الأموي، وهو رأس الفتنة أيام عثمان بن عفان، وقاتل طلحة يوم الجمل، والمشير بقتل الحسين بن علي، وكان يسبه وأخاه وأباهما. وزهير بن معاوية بن خديج الجعفي الكوفي أثني عليه خيرا، ولم يعب عليه إلا أنه كان ممن يحرس خشبة زيد بن علي لما صلب. وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني الدمشقي المشهور ببغضه للإمام علي. ومدح حريز بن عثمان وهو ممن كان يلعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب جهرا، وعمر بن سعد بن أبي وقاص قاتل الحسين بن علي، وأبو لبيد لمازة البصري الملقب بأسد السنة والمعروف بعداوته لأهل البيت، وعمران بن حطان السدوسي المادح لقاتل الإمام علي بن أبي طالب، وغيرهم عشرات ممن مدحوا وأثني عليهم. نعم، قد كان في أهل البيت الفاسق والفاجر، ولكن الله تعالى إنما مدح جملتهم، كما قال جل وعلا: {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون}[الحديد:26]، فالله تعالى لما جعل النبوة والكتاب في ذرية نوح وإبراهيم لم يعن أنه جعلها فيهم جميعا، وإنما في فئة مخصوصة منهم. ويعلم كل منصف، أن لا علاقة بين الكلام في شأن أهل البيت وبين العنصرية والسلالية والعرقية ونحوها. المسألة لا تتجاوز الكلام في ابتلائين: ابتلاء الله تعالى لأهل البيت، وابتلاء الله تعالى للأمة. لقد ابتلى الله أهل البيت بأن جعلهم: الثقل الأصغر، وسفينة نوح، وباب حطة، ونجوم أهل الأرض، وورثة الكتاب، والمطهرين من الرجس، والمصطفين بين الأمم. فكان ابتلاء الله لهم هو بأن منحهم ذلك المقام، وجعل لهم تلك المنزلة. فمن سعى منهم لأن يكون كما أراد الله له، فله الحسنى عند الله تعالى، ومن قصر سقط. وبذلك كان في أهل البيت السابق المجاهد المؤمن، والمقتصد والعابد والمقصر، والظالم لنفسه بأن لم يسع لنفسه ما جعل الله له، أو بأن تعدى ذلك وفسق وتجبر في الأرض {ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون،ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} كما ابتلى الله تعالى أمة محمد بأهل البيت، فأمرها بالاقتداء بهم، وبالأخذ عنهم، وبمحبتهم؛ وبالجملة أمرهم أن ينزلوهم حيث أنزلهم الله تعالى، وأن يجعلوا لهم ما جعله الله تعالى لهم. فمن أطاع وخضع لله تعالى فله الثواب العظيم، والأجر الوفير، والمغفرة، وكان فعله كفعل بني أسرائيل إذ دخلوا باب حطة. والتشبيه بباب حطة يدل على أن الأمر يتطلب تواضعا، وخضوعا لله تعالى. وأما من نصب العداوة لأهل البيت حسدا لما جعله الله لهم، وذلك بغمط فضائلهم، أو القدح فيهم، أو بصرف الناس عنهم، أو بسفك دمائهم وانتهاك حرماتهم فقد خالف ما أمر به، وحسابه على الله. {أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكا عظيما فمنهم من آمن به ومنهم من صد عنه وكفى بجهنم سعيرا}. جعلنا الله تعالى ممن يأتمر بأمره، ويخضع لقوله، وحشرنا مع الأنبياء والمرسلين.
पृष्ठ 105