Zakat Expenditures in Islam
مصارف الزكاة في الإسلام
प्रकाशक
مطبعة سفير
प्रकाशक स्थान
الرياض
शैलियों
٤٩
رسائل سعيد بن علي بن وهف القحطاني
مصارف الزكاة في الإسلام
مفهوم، وشروط، وأنواع، وأحكام
في ضوء الكتاب والسنة
تأليف الفقير إلى الله تعالى
د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني
अज्ञात पृष्ठ
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذه رسالة مختصرة في «مصارف الزكاة في الإسلام» بيَّنت فيها مفهوم المصارف: لغة، واصطلاحًا، وأن الله حصر مصارف الزكاة بلا تعميم في العطاء، وذكرت أنواع المصارف الثمانية، وبيَّنت مفهوم كل مصرف: لغةً، واصطلاحًا، ونصيب كل نوع من المصارف، والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة، وفضل الدفع لكل مصرف، ثم ذكرت أصناف وأنواع من لا يصحّ دفع الزكاة إليهم بالأدلة.
وقد استفدت كثيرًا من تقريرات وترجيحات شيخنا الإمام عبدالعزيز بن عبدالله ابن باز - رفع الله منزلته، وغفر له، ورحمه -.
واللهَ أسأل أن يجعل هذا العمل مباركًا، نافعًا، خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي، وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وآله، وأصحابه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المؤلف/ أبو عبدالرحمن
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر بعد عصر يوم الأحد، ١٤/ ٤/١٤٢٦هـ الرياض
1 / 3
مصارف الزكاة في الإسلام
أولًا: المفهوم: لغة واصطلاحًا
مفهوم المصارف لغة: مَصْرِفُ: مفرد وجمعه مصارف، وصَرَفَ المال: أنفقه، والصرف: الدفع.
ومفهوم المصارف اصطلاحًا: الجهات التي تصرف فيها الأشياء: ومنه: مصارف الزكاة: المستحقون لها.
فظهر بذلك: أن مصارف الزكاة: أهل الزكاة ومستحقوها: أي الأصناف الذين تصرف لهم الصدقات المذكورة في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ...﴾ الآية (١) (٢).
والخلاصة: أن مصارف الزكاة: هم أهل الزكاة. ومن العلماء من يعبر عن مصارف الزكاة: بأصناف أهل الزكاة، ومنهم من يقول: الأصناف الذين تدفع إليهم الزكاة، ومنهم من يقول: مصارف الزكاة، وهي كلمات مترادفة معناها واحد (٣).
ومنهم من قال: المصارف: جمع مصرف، وهو في اللغة المعدل، قال
_________
(١) انظر: القاموس الفقهي لغة واصطلاحًا، السعدي أبو جيب، ص٢١٠، ومعجم لغة الفقهاء، لمحمد رواس، ص٤٠٣.
وانظر: مصارف الزكاة وتمليكها، لخالد عبدالرزاق العاني، ص٢١، وص١٢٨.
(٢) سورة التوبة، الآية: ٦٠.
(٣) انظر: منار السبيل، ١/ ٢٦٦، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٧/ ٢٠٥، والكافي، لابن قدامة، ٢/ ١٩٣، وكتاب الفروع، لابن مفلح، ٤/ ٢٩٧، ومنتهى الإرادات، للفتوحي، ١/ ٥١٥، والمغني لابن قدامة، ٤/ ١٢٤ - ١٣١، والإقناع لطالب الانتفاع، لموسى بن أحمد الحجاوي، ١/ ٤٦٧، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، ٢/ ٤٤٦ و٤٤٨ ومختصر الفقه الإسلامي للتويجري، ص٦١٢، والروض المربع، ٣/ ٢٠٨.
1 / 4
تعالى: ﴿وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا﴾ (١) أي معدلًا، والمصرف اسم مكان.
وهو في الاصطلاح: مسلم [أو مؤلف] يصح في الشريعة [الإسلامية] صرف الزكاة إليه (٢) والمراد: الأصناف الثمانية الذين تصرف لهم الزكاة.
ثانيًا: حصر الله تعالى أهل الزكاة بلا تعميم في العطاء:
الأصناف الذين تدفع إليهم الزكاة ثمانية، ذكرهم الله تعالى في قوله سبحانه: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ الله وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ الله وَالله عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ (٣) فلا يجوز صرف الزكاة المفروضة إلى غيرهم: من بناء مسجد، أو إصلاح طريق، أو كفن ميت، أو غير ذلك من أعمال البر؛ لأن الله تعالى خص هذه الأصناف الثمانية بها في قوله: ﴿إنَّمَا﴾ وهي للحصر، تثبت المذكور، وتنفي ما عداه (٤) قال الإمام ابن قدامة ﵀: «ولا نعلم خلافًا بين أهل العلم في أنه لا يجوز دفع هذه الزكاة إلى غير هذه الأصناف (٥) إلا ما روي عن أنس والحسن» (٦).
_________
(١) سورة الكهف، الآية: ٥٣.
(٢) انظر: مصارف الزكاة وتمليكها، ص١٢٨.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٦٠.
(٤) الكافي لابن قدامة، ٢/ ١٩٣، والمغني، ٤/ ١٢٤، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، ٧/ ٢٠٥، ومنار السبيل، ١/ ٢٦٦، وكتاب الفروع، ٤/ ٢٩٧.
(٥) الشرح الكبير، مع المقنع والإنصاف، ٧/ ٢٠٦.
(٦) قالا: ما أعطيت في الجسور، والطرق، فهي صدقة ماضية، قال في الشرح الكبير، ٧/ ٢٠٦: والصحيح الأول وانظر: الإجماع لابن المنذر، ص٥٧.
1 / 5
ولا يجب على الصحيح تعميم الأصناف بالزكاة؛ لأن النبي * قال لمعاذٍ ﵁ «... فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، فتردّ في فقرائهم» (١) فهو أمر ﷺ بردها في صنفٍ واحدٍ، والأدلة كثيرة في السنة، فتبيَّن بهذا أن مراد الآية: بيان الصرف دون التعميم؛ ولذلك لا يجب تعميم كل صنف (٢).
ثالثًا: أنواع مصارف الزكاة ومفهوم كل مصرف:
المصرف الأول: الفقراء، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: مفهوم الفقير: لغة، واصطلاحًا
مفهوم الفقير لغة: فعيلٌ بمعنى فاعلٌ، يقال: فَقِرَ يَفْقَرُ، من باب تَعِبَ: إذا قلَّ مالُه، ولم يقولوا: فَقُر بالضم، استغنوا عنه: بافتقر (٣)، فالفقير بالكسر: جمعه: فقراء: المحتاج ضد الغني (٤).
قال الإمام ابن الأثير ﵀: «قد تكرر ذكر: الفَقْر والفقير، والفُقَراء في الحديث» وقد اختلف الناس فيه وفي المسكين، فقيل: الفقير الذي لا شيء له، والمسكين الذي له بعض ما يكفيه، وإليه ذهب الشافعي، وقيل فيهما: بالعكس وإليه ذهب أبو حنيفة (٥).
مفهوم الفقر اصطلاحًا: من لا يملك نصابًا ناميًا فائضًا
_________
(١) متفق عليه: البخاري، برقم ٣٩٥، ومسلم، برقم ١٩، وتقدم تخريجه.
(٢) الكافي، لابن قدامة، ٢/ ١٩٣ - ١٩٤.
(٣) المصباح المنير، للفيومي، ص٤٧٨، مادة (فقر).
(٤) معجم لغة الفقهاء، مادة (فقير)، ص٣١٧.
(٥) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، مادة (فقر)، ٣/ ٤٦٢.
1 / 6
عن حاجاته (١) والفقير ضد الغني (٢)، وهو: عبارة عن فقد ما يحتاج إليه، أما فقد ما لا حاجة إليه فلا يسمى فقرًا (٣).
والصواب أن مفهوم الفقراء اصطلاحًا: هم من لا يجدون شيئًا من الكفاية مطلقًا، أو يجدون بعض الكفاية دون نصفها من كسب وغيره، مما لا يقع موقعًا من الكفاية، وإن تفرَّغ قادر على التكسب للعلم الشرعي لا للعبادة وتعذر أن يجمع بين التكسب والاشتغال بالعلم، أُعطي من الزكاة بقدر حاجته، وحتى لو لم يكن العلم لازمًا له، فعُلم بذلك: أن الفقير: هو من لا مال له ولا كسب أصلًا، أو من له مال أو كسب أقل من نصف ما يكفيه لنفسه، ومن تجب عليه نفقته، من غير إسرافٍ ولا تقتير، والفقراء أشد حاجة من المساكين؛ لأن الله تعالى بدأ بهم، والعرب إنما تبدأ بالأهم فالمهم (٤)؛ ولأن الله تعالى قال: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ (٥) فقد أخبر الله ﷿ أن المساكين لهم سفينة يعملون فيها، ومع ذلك وصفهم بالمسكنة، أما الفقراء فقد لا يكون لهم مال أصلًا، كما قال سبحانه: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
_________
(١) معجم لغة الفقهاء، لمحمد روَّاس، ص٣١٧.
(٢) القاموس الفقهي: لغة واصطلاحًا، لسعدي أبو جيب، ص٢٨٩.
(٣) التعريفات، للجرجاني، ص٢١٦.
(٤) انظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ١٢٣، ١٢٧، والشرح الكبير، ٧/ ٢٠٦، والكافي، ٢/ ١٩٥، ومنار السبيل، ١/ ٢٦٦، والروض المربع، ٣/ ٣١٠، ومصارف الزكاة وتمليكها، للدكتور/ خالد بن عبدالرزاق، ص١٤٣.
(٥) سورة الكهف، الآية: ٧٩.
1 / 7
وَأَمْوَالِهِمْ﴾ (١) وقد يكون لهم المال القليل دون نصف الكفاية، ولكنهم أشد حاجة من المساكين» (٢) (٣).
_________
(١) سورة الحشر، الآية: ٨.
(٢) انظر: الشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٧/ ٢٠٧، وفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ١٠/ ٦.
(٣) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في أيهما أشد حاجة، وأسوأ حالًا: الفقير أم المسكين؟ فقال الإمام أحمد ﵀، والإمام الشافعي ﵀، وغيرهما: إن الفقير أشد حاجة من المسكين؛ لأدلة منها:
١ - قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ [سورة التوبة، ٦٠] فبدأ بالفقراء، وإنما يبدأ بالأهم فالأهم؛ لأن الزكاة شرعت لدفع الحاجة، فمن كان أحوج بدئ به.
٢ - قول الله تعالى: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ [سورة الكهف، ٧٩] فقد وصف بالمسكنة من له سفينة.
٣ - قول الله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ [سورة الحشر، الآية: ٨] فقد يكون الفقير لا مال له أصلًا.
٤ - حديث أبي هريرة ﵁ مرفوعًا: «ليس المسكين بهذا الطوَّاف الذي يطوف على الناس، فترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه ولا يُفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس [متفق عليه: البخاري، برقم ١٤٧٩، ومسلم، برقم ١٠٣٩].
وذهب الإمام أبو حنيفة ﵀ ومن معه من المالكية وغيرهم إلى أن المسكين أشد حاجة لقول الله تعالى: ﴿أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ [سورة البلد ١٦] وهو المطروح على التراب لشدة حاجته.
والصواب أن إطلاق المسكين يدخل فيه الفقير، وإطلاق الفقير يدخل فيه المسكين؛ فإذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعًا، مثل: لفظ الإسلام، والإيمان، ثم المسكين ذا متربة قيد بذلك فدل على أنه يوجد مسكين لا بهذه الصفة، واستدل أبو حنيفة ﵀ أيضًا: بأن الله تعالى جعل الكفارات للمساكين، ولكن نوقش بأن المسكين إذا أطلق دخل فيه الفقير، والله تعالى أعلم. [الشرح الكبير لابن قدامة، ٧/ ٢٠٧ - ٢١٠، وحاشية الروض المربع للأساتذة: الطيار والغصن، والمشيقح، ٤/ ٢١١ - ٢١٢، والموسوعة الفقهية، ٢٣/ ٣١٢، والصواب القول الأول: قول الإمام أحمد والشافعي رحمهما الله تعالى.
1 / 8
المسألة الثانية: نصيب الفقراء من الزكاة: يُعطى الفقير من الزكاة ما يُكَمِّلُ له كفايته من النفقة حولًا كاملًا، والمعتبر: كفايته وكفاية من يمونه: من الأكل، والشرب، والسكن، والكسوة، والإعفاف بالزواج إن لم يستطع الزواج إلا بأخذه من الزكاة؛ فإنه يعطى ما يكفيه للمهر ولو كان كثيرًا، من غير إسرافٍ ولا تقتير (١).
قال الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: «فيأخذ منها - أي الزكاة - كل حول: ما يكفيه إلى مثله - أي إلى الحول الثاني - ويعتبر وجود الكفاية له، ولعائلته، ومن يمونه؛ لأن كل واحد منهم مقصودٌ دفع حاجاته، فيعتبر له ما يعتبر للمنفرد» وقال: «... وهذا؛ لأن الدفع إنما هو إلى العيال، وهذا نائب عنهم في الأخذ» (٢).
قال العلامة ابن عثيمين ﵀: «الفقراء والمساكين: وهم الذين لا يجدون كفايتهم، وكفاية عائلاتهم: لا من نقود حاضرةٍ، ولا من رواتب ثابتة، ولا من صناعة قائمة، ولا من غلةٍ كافية، ولا من نفقاتٍ على غيرهم واجبة، فهم في حاجة إلى مواساةٍ ومعونةٍ، قال العلماء: فيعطون من الزكاة ما يكفيهم وعائلاتهم لمدة سنة كاملة، حتى يأتي حول الزكاة مرة ثانية، ويُعطى الفقير لزواجٍ يحتاج إليه ما يكفي لزواجه، [ويعطى] طالب العلم [الشرعي] الفقير؛ لشراء كتبٍ يحتاجها، ويعطى من له راتب لا يكفيه وعائلته من الزكاة ما يكمل كفايتهم؛ لأنه ذو حاجة، وأما من كان له كفاية فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة وإن سألها، بل
_________
(١) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين، ٦/ ٢٢٠.
(٢) المغني، لابن قدامة، ٤/ ١٢٣.
1 / 9
الواجب نصحه وتحذيره من سؤال ما لا يحلُّ له ...» (١) (٢).
_________
(١) مجالس شهر رمضان، للعلامة محمد بن صالح العثيمين ﵀، ص٨١ - ٨٢، وانظر: الشرح الممتع له، ٤/ ٢١٩ - ٢٢٣.
(٢) اختلف العلماء ﵏ في المقدار الذي يعطى للفقير والمسكين من الزكاة على النحو الآتي:
القول الأول: يعطى الفقير كفايته، وكفاية من يعولهم سنة كاملة، وبه قال الحنابلة، والمالكية، وأحد قولي الشافعي. [وتقدم تفصيل ذلك في متن هذه الرسالة].
القول الثاني: يُعطى كلٌّ من الفقير والمسكين كفاية العمر، وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام. وبه قال الشافعية في الأصح عندهم، وبه قال بعض الحنابلة، وهو رواية عن الإمام أحمد، وذكر النووي أنه مذهب الشافعي.
القول الثالث: لا يجوز أن يُعطى الرجل من الزكاة أكثر من خمسين درهمًا، وكذلك يعطى كل من تحت نفقته كل واحد مثل ذلك، ولا يتجاوز ما يعطى كل واحد منهم خمسين درهمًا. وهو رواية عن أحمد، ولكن رُدَّ بأن حديث ابن مسعود في هذه المسألة ضعيف.
القول الرابع: لا تجوز الزيادة في العطاء على نصاب النقود: أي ما يساوي مائتي درهمٍ، فاضلًا عما يحتاج إليه من مسكن، وخادم، وأثاث، وفرس، وإذا كان له من يعوله فيأخذ كل واحد منهم مقدار النصاب، وهذا مذهب أبي حنيفة ﵀.
والصواب القول الأول: هو أن الفقير أو المسكين يُعطى ما يكفيه ويكفي من ينفق عليهم سنة كاملة؛ لأن النبي ﷺ «حبس لأهله قوت سنة» [متفق عليه: البخاري، كتاب النفقات، باب حبس الرجل قوت سنة على أهله، برقم ٥٣٥٧، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب حكم الفيء، برقم ١٧٥٦، ولفظ مسلم هنا: «كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله، مما لم يوجف عليه المسلمون بخيلٍ ولا ركابٍ، فكانت للنبي ﷺ خاصة، فكان ينفق على أهله نفقة سنة [أي يعزل لهم نفقة سنة، ولكنه كان ينفقه قبل انقضاء السنة في وجوه الخير] وما بقي يجعله في الكراع [أي الدواب التي تصلح للحرب] والسلاح وعدة في سبيل الله [انظر: المغني، لابن قدامة، ٤/ ١١٧ - ١٣٠، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٧/ ٢٠٥ - ٢٢٢، ومصارف الزكاة وتمليكها، ص١٦٨ - ١٨٥، والموسوعة الفقهية الكويتية، ٢٣/ ٣١٦ - ٣١٧، وكتاب الفروع لابن مفلح، ٤/ ٢٩٧ - ٣٣٠، والكافي لابن قدامة، ٢/ ١٩٥، والشرح الممتع، ٦/ ٣٢٠ – ٣٢٢، ومنتهى الإرادات، ١/ ٥١٥، وشرح الزركشي على مختصر الخرقي، ٢/ ٤٤٢ - ٤٥٠، وحاشية الروض المربع، للأساتذة بإشراف الطيار، ٤/ ٢١٣، والمجموع للنووي، ٦/ ٢٠٣، و٦/ ١٩٩].
1 / 10
وقال الإمام ابن قدامة ﵀: «وإذا كان للمرأة الفقيرة زوج موسر ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة إليها؛ لأن الكفاية حاصلةٌ لها بما يصلها من النفقة الواجبة، فأشبهت من له عقار يستغني بأجرته، وإن لم ينفق عليها وتعذر ذلك جاز الدفع إليها، كما لو تعطلت منفعة العقار، وقد نصَّ أحمد على هذا» (١).
وقد يملك الإنسان نصابًا من أي نوع من أنواع المال - ولكن هذا المال لا يقوم بكفايته؛ لكثرة عياله، أو لغلاء السعر - فهو غني من حيث إنه يملك نصابًا فتجب الزكاة في ماله، وفقير من حيث إن ما يملكه لا يقوم بكفايته، فيُعطى من الزكاة كالفقير - ما يكمِّل له كفايته.
مثال ذلك: رجل عنده عشرون ألف ريال، ولكن له أربع زوجات، وله من كل زوجة عشرة أولاد، وله أب وأم تحت رعايته ينفق على الجميع، والسكن بالإيجار، وهذا المبلغ لا يقوم بكفايته سنة كاملة، فله أن يأخذ ما يكمل كفايته لمدة عام.
قال ابن قدامة ﵀: «قال الميموني: ذاكرت أبا عبدالله - أحمد بن حنبل - فقلت: قد يكون للرجل: الإبل، والغنم، تجب فيها الزكاة، وهو فقير، ويكون له أربعون شاة، وتكون له الضيعة - المزرعة - لا تكفيه، فَيُعطى من الزكاة؟ قال: «نعم». وذكر قول عمر: أعطوهم وإن راحت عليهم الإبل كذا وكذا» (٢) ... وقال في رواية محمد بن الحكم: إذا كان له
_________
(١) المغني، لابن قدامة، ٤/ ١٢٣، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف، ٧/ ٢٨٦. وكتاب الفروع لابن مفلح، ٤/ ٢٩٩، ومجموع فتاوى ابن باز، ١٤/ ٢٦٩ - ٢٧٠.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة، كتاب الزكاة، باب من قال ترد الصدقة في الفقراء، ٣/ ٢٠٥.
1 / 11
عقار يستغله، أو ضيعة تساوي عشرة آلاف أو أقل أو أكثر لا تقيمه يأخذ من الزكاة، وهذا قول الشافعي (١)؛ لأنه لا يملك ما يغنيه، ولا يقدر على كسب ما يكفيه، فجاز له الأخذ من الزكاة، كما لو كان ما يملكه لا تجب فيه الزكاة؛ لأن الفقر عبارة عن الحاجة، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الله﴾ (٢) أي المحتاجون إليه» (٣)، والله تعالى أعلم (٤).
_________
(١) وقال أصحاب الرأي: ليس له أن يأخذ منها إذا ملك نصابًا زكويًا؛ لأنه تجب عليه الزكاة فلم تجب له، للخبر [المغني لابن قدامة، ٤/ ١٢٢].
(٢) سورة فاطر، الآية: ١٥.
(٣) المغني لابن قدامة، ٤/ ١٢١ - ١٢٢.
(٤) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في حدِّ الغنى المانع من أخذ الزكاة على أقوال:
القول الأول: قول الجمهور: من المالكية، والشافعية، ورواية عن الإمام أحمد: أن الغنى ما تحصل به الكفاية، فإذا لم يكن محتاجًا حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئًا، وإن كان محتاجًا حلَّت له الصدقة وإن كان يملك نصابًا أو نُصُبًا، والأثمان وغيرها في هذا سواء؛ لقول النبي ﷺ لقبيصة: «لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: قد أصابت فلانًا فاقة، فحلت له المسألة، حتى يصيب قوامًا من عيش أو سدادًا من عيش [مسلم، برقم ١٠٤٤] فمدَّ إباحة المسألة إلى وجود إصابة القوام أو السداد؛ لأن الحاجة هي الفقر، والغنى ضدها.
القول الثاني: رواية عن الإمام أحمد وهي الظاهر من مذهبه: أن من ملك خمسين درهمًا أو قيمتها من الذهب، أو وجد ما تحصل به الكفاية على الدوام: من كسب، أو تجارة أو عقار، أو نحو ذلك، فهو غني لا يحل دفع الزكاة إليه. أما إذا ملك من العروض، أو السائمة، أو العقار ما لا تحصل به الكفاية لم يكن غنيًّا، حتى ولو ملك نصبًا، ففي هذه الرواية: التفريق بين الأثمان وغيرها.
القول الثالث: قول الحسن، وأبي عبيد: الغِنى ملك أوقية، وهي: أربعون درهمًا.
القول الرابع: قول أبي حنيفة: الغنى الموجب للزكاة هو المانع من أخذها، فمن ملك نصابًا من أي أنواع المال فهو غني لا تدفع إليه الزكاة حتى ولو كان لا يكفيه.
والصواب إن شاء الله: القول الأول، والله أعلم.
[المغني لابن قدامة، ٤/ ١١٨ - ١٢١، والموسوعة الفقهية الكويتية، ٢٣/ ٣١٣، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٧/ ٢١٦ - ٢٢١، ومصارف الزكاة، ص١٦٦ - ١٩١.
1 / 12
المسألة الثالثة: ما جاء من الآيات القرآنية، التي ظاهرها الحث والترغيب في الإحسان إلى الفقراء وإعطائهم حقوقهم على النحو الآتي:
١ - قال الله تعالى: ﴿الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَالله يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَالله وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (١).
٢ - قال الله ﷿: ﴿إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ (٢).
٣ - قال الله ﵎: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ﴾ (٣).
٤ - وقال سبحانه: ﴿وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (٤).
٥ - وقال تعالى: ﴿إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاله أَوْلَى بِهِمَا﴾ (٥).
٦ - وقال تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ...﴾ (٦).
٧ - وقال تعالى: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ
_________
(١) سورة البقرة، الآية: ٢٦٨.
(٢) سورة البقرة الآية: ٢٧١.
(٣) سورة البقرة الآية: ٢٧٣.
(٤) سورة النساء، الآية: ٦.
(٥) سورة النساء، الآية: ١٣٥.
(٦) سورة التوبة، الآية: ٦٠.
1 / 13
وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ الله مِنْ فَضْلِهِ والله وَاسِعٌ عَلِيم﴾ (١).
٨ - وقال تعالى: ﴿لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ الله فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾ (٢)
٩ - قال ﷾: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى الله والله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ (٣).
١٠ - قال ﷾: ﴿فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ والله الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاء﴾ (٤).
١١ - وقال ﷾: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ الله وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ الله وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ (٥) (٦).
والمصرف الثاني: المساكين وفيه مسائل:
المسألة الأولى: مفهوم المساكين لغة واصطلاحًا:
مفهوم المساكين لغةً: مفرده مسكين وجمعه مساكين، يقال: «سكن المتحرك سكونًا: أي ذهبت حركته، ويتعدى بالتضعيف فيقال:
_________
(١) سورة النور، الآية: ٣٢.
(٢) سورة الحج الآية: ٢٨.
(٣) سورة فاطر الآية: ١٥.
(٤) سورة محمد، الآية: ٣٨.
(٥) سورة الحشر الآية: ٨
(٦) وانظر: سورة آل عمران، الآية: ١٨٢، وسورة القصص، الآية: ٢٤.
1 / 14
(سكَّنته) والمسكين مأخوذ من هذا؛ لسكونه إلى الناس، وهو بفتح الميم في لغة بني أسد، وبكسرها عند غيرهم».
والمسكين أيضًا: الذليل المقهور وإن كان غنيًّا، قال الله تعالى:
﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ﴾ (١) (٢).
والأصل في المسكين: أنه من المسكنة والخضوع والذل (٣). قال الإمام ابن الأثير رحمه الله تعالى: «وقد تكرر في الحديث ذكر: المسكين، والمساكين، والمسكنة، والتمسكن وكلها يدور معناها على: الخضوع، والذلة، وقلة المال، والحالة السيئة، واستكان: إذا خضع، والمسكنة: فقر النفس، وتمسكن: إذا تشبَّه بالمساكين، وهو جمع المسكين، وهو الذي لا شيء له، وقيل: هو الذي له بعض الشيء، وقد تقع المسكنة على الضعف» (٤).
مفهوم المساكين اصطلاحًا: المساكين: هم الذين يجدون أكثر الكفاية أو نصفها: من كسب أو غيره، مما لا يقع موقعًا من الكفاية، فعُلم بذلك أن المسكين: هو من له مال يبلغ نصف كفايته فأكثر، لكنه لا يكفيه لنفسه ومن تجب عليه نفقته من غير إسراف ولا تقتير، والمسكين أحسن حالًا من الفقير؛ لأن الله تعالى قال: ﴿أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ
_________
(١) سورة آل عمران، الآية: ١١٢.
(٢) المصباح المنير في غريب الشرح الكبير، للرافعي، تأليف أحمد بن محمد الفيومي، ١/ ٢٨٣.
(٣) لسان العرب، لابن منظور، باب النون، فصل السين، ٣/ ٢١٦.
(٤) النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات المبارك بن محمد الجزري، باب السين مع الكاف، مادة (سكن)، ٢/ ٣٨٥.
1 / 15
يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ﴾ (١) فأخبر أنهم مساكين، وأن لهم سفينة، وقال تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ الله لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ﴾ (٢) فهذه الحال التي أخبر بها عن الفقراء هي دون الحال التي أخبر بها عن المساكين (٣) (٤).
المسألة الثانية: هذه التعريفات السابقة، للفقير، والمسكين: تكون إذا جمع بين لفظ «الفقير والمسكين» كما في قول الله تعالى: ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ﴾ (٥) أما إذا أطلق لفظ أحدهما ولم يذكر معه الآخر دخل أحدهما في الآخر، فالفقير: هو المسكين، والمسكين هو الفقير؛ ولهذا قيل: إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا، مثل: لفظ الإسلام، ولفظ الإيمان (٦).
المسألة الثالثة: نصيب المساكين من الزكاة: يعطى المسكين من الزكاة ما يُكمِّل له كفايته، وكفاية من يعوله من النفقة حولًا كاملًا، والمعتبر: كفايته وكفاية من يمونه: من الأكل، والشرب، والمسكن،
_________
(١) سورة الكهف، الآية: ٧٩.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٢٧٣.
(٣) لسان العرب لابن منظور، ١٣/ ٢١٥.
(٤) المغني لابن قدامة، ٤/ ١٢٣، ١٢٧، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٧/ ٢٠٦، والكافي، ٢/ ١٩٥، ومنار السبيل، ١/ ٢٦٦، والروض المربع من حاشية ابن قاسم، ٣/ ٣١٠، ومصارف الزكاة وتمليكها، ص١٤٣.
(٥) سورة التوبة، الآية: ٦٠.
(٦) انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، ٢٣/ ٣١٢، والمغني، لابن قدامة، ٩/ ٣٠٦.
1 / 16
والكسوة، والإعفاف بالزواج إن لم يستطع الزواج إلا بأخذه من الزكاة، على نحو ما تقدم فيما يستحقه الفقير من الزكاة (١).
المسألة الرابعة: ما جاء من الآيات القرآنية، التي فيها الحث والترغيب في الإحسان إلى المساكين وإعطائهم حقوقهم، على النحو الآتي:
١ - قال تعالى: ﴿وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ (٢).
٢ - قال تعالى: ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ﴾ (٣).
٣ - وقال تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ الله بِهِ عَلِيمٌ﴾ (٤).
٤ - وقال تعالى: ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ الآية (٥).
_________
(١) الشرح الممتع، ٦/ ٢٢٠.
(٢) سورة البقرة، الآية: ٨٣.
(٣) سورة البقرة الآية: ١٧٧.
(٤) سورة البقرة الآية: ٢١٥.
(٥) سورة البقرة، الآية: ١٨٤.
1 / 17
٥ - وقال تعالى: ﴿وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ (١).
٦ - وقال تعالى: ﴿فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ الله وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ (٢).
٧ - وقال تعالى: ﴿فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ* أَنْ لَا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ﴾ (٣).
٨ - وقال تعالى: ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (٤).
٩ - وقال سبحانه: ﴿وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (٥).
١٠ - وقال تعالى: ﴿وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ﴾ (٦)
١١ - وقال تعالى: ﴿وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ﴾ (٧).
١٢ - وقال تعالى: ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ (٨).
١٣ - وقال سبحانه: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾ (٩).
_________
(١) سورة الإسراء، الآية: ٢٦.
(٢) سورة الروم، الآية: ٣٨.
(٣) سورة القلم، الآيتان: ٢٣ - ٢٤.
(٤) سورة الحاقة، الآية: ٣٤.
(٥) سورة الماعون، الآية: ٣.
(٦) سورة المدثر، الآية: ٤٤.
(٧) سورة الفجر الآية: ١٨.
(٨) سورة المجادلة الآية: ٤.
(٩) سورة الإنسان، الآية: ٨.
1 / 18
١٤ - وقال تعالى: ﴿فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ*وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ*فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ *يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ﴾ (١).
١٥ - وقال تعالى: ﴿وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ (٢).
١٦ - وقال تعالى: ﴿... وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ (٣)
١٧ - وقال تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ﴾ (٤).
١٨ - وقال سبحانه: ﴿أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ﴾ (٥).
١٩ - وقال تعالى: ﴿فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ﴾ (٦).
٢٠ - وقال سبحانه: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ﴾ الآية (٧).
٢١ - وقال تعالى: ﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى
_________
(١) سورة البلد، الآيات: ١١ - ١٦.
(٢) سورة النساء، الآية: ٨.
(٣) سورة النساء، الآية: ٣٦.
(٤) سورة المائدة، الآية: ٨٩.
(٥) سورة المائدة، الآية: ٩٥.
(٦) سورة الأنفال الآية: ٤١.
(٧) سورة النور، الآية: ٢٢.
1 / 19
وَالْمَسَاكِينِ﴾ (١).
المسألة الخامسة: ما جاء من الأحاديث في المسكين
١ - عن أبي هريرة ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس، تردُّه اللقمة واللقمتان». وفي رواية: «الأكلةُ والأكلتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنىً يغنيه، ولا يُفطنُ له فيتصدق عليه، [ويستحيي أو] لا يقومُ فيسأل الناس [إلحافًا]». وفي لفظٍ: «إنما المسكين الذي يتعفف، واقرأوا إن شئتم يعني قوله تعالى: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ (٢).
٢ - عن عبدالله بن عمرو ﵄ عن النبي ﷺ قال: «لا تحلُّ الصدقةُ لغني، ولا لذي مرةٍ (٣) سويٍّ» (٤) (٥).
_________
(١) سورة الحشر، الآية: ٧.
(٢) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب قول الله ﷿: ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾، برقم ١٤٧٦، ورقم ١٤٧٩، وكتاب التفسير، بابٌ، ﴿لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ يقال: ألحف عليَّ، وألحَّ عليَّ، وأحفاني بالمسألة ﴿فَيُحْفِكُمْ﴾ [محمد: ٣٧] يجهدكم، برقم ٤٥٣٩، والألفاظ ملفقة من هذه المواضع من البخاري، وأخرجه مسلم، في كتاب الزكاة، باب المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه، برقم ١٠٣٩.
(٣) المرة: القوة وشدة العقد، وهي القوة على الكسب والعمل [نيل الأوطار للشوكاني، ٣/ ٦٩].
(٤) سوي: صحيح وسليم الأعضاء [نيل الأوطار للشوكاني، ٣/ ٦٩].
(٥) أبو داود، كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغنى، برقم ١٦٣٤، والترمذي، كتاب الزكاة، باب ما جاء من لا تحل له الصدقة، برقم ٦٥٢، وأحمد، ٢/ ١٩٢، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٥٤، وفي الإرواء، برقم ٨٧٧.
1 / 20
٣ - عن عبيد الله بن عدي بن الخيار قال: أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي ﷺ في حجة الوداع، وهو يقسم الصدقة، فسألاه منها، فرفع فينا البصر وخفضه، فرآنا جلدين (١)، فقال: «إن شئتما أعطيتكما، ولا حظَّ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» (٢) (٣).
قال الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى: «وفيه دليل على أنه يستحب للإمام، أو المالك: الوعظ، والتحذير، وتعريف الناس بأن الصدقة لا تحلُّ لغني، ولا لذي قوة على الكسب، كما فعل رسول الله ﷺ ذلك برفقٍ» (٤).
المصرِف الثالث: العاملون عليها، وفيه: مسائل:
المسألة الأولى: مفهوم العاملين لغةً: عَمِلَ، من باب طَرِبَ، وأعمله، واستعمله، بمعنىً، واستعمله أيضًا: طلب إليه العمل، واعتمل، اضطرب في العمل، والتعميل: تولية العمل، يقال: عمَّله على البصرة، والعمالة: رِزقُ العامل (٥) ويقال: عملته أعملُهُ عملًا: صنعته، وعملت على الصدقة: سعيت في جمعها، والفاعل عاملٌ والجمع: عُمَّال، وعاملون، ويتعدى إلى ثانٍ بالهمزة، فيقال: أعملته كذا واستعملته: أي جعلته عاملًا، واستعملته: سألته أن يعمل (٦).
_________
(١) جلْدَين: قويين شديدين، [نيل الأوطار للشوكاني، ٣/ ٦٩].
(٢) مكتسب: يكتسب قدر كفايته. [نيل الأوطار، ٣/ ٦٩].
(٣) أبو داود كتاب الزكاة، باب من يعطى من الصدقة وحد الغني، برقم: ١٦٣٣، والنسائي، كتاب الزكاة، باب مسألة القوي المكتسب، برقم: ٢٥٩٧، وأحمد في المسند، برقم ١٧٩٧٢، ورقم ١٧٩٧٣، وصححه الألباني، في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٤٥٤.
(٤) نيل الأوطار، للشوكاني، ٣/ ٦٩.
(٥) مختار الصحاح، لمحمد بن أبي بكر بن عبدالقادر، الرازي، ص١٩١.
(٦) المصباح المنير، للفيومي، ٢/ ٤٣٠.
1 / 21